الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد: فعنوان حديثنا: (اجلس بنا نؤمن ساعة).
وهي مقولة لـ معاذ رضي الله عنه، كان يقولها لأصحابه، أو هي حديث عن التربية الإيمانية وحاجتنا إليها، وقد يشعر بعض الناس بادئ ذي بدء حينما يسمعون الحديث عن التربية بأن هذا الحديث يخص فئة من الناس هم أولئك المربون، سوء كانوا آباءً أو أساتذة أم كانوا مربين للجيل والناس الذين يستمعون لكلمتهم ويقتدون بأعمالهم.
فالبعض حين يسمع الحديث حول هذا الموضوع يسقطه من ذهنه، ولسان حاله يقول: هذا ليس خطاباً لك.
وهذا التصرف يعتمد على فهم قاصر للتربية؛ وهو أن التربية ما يتلقاه الإنسان ممن يربيه أياً كان هذا المربي، وهذا أمر -لاشك- له أهميته ودوره، والشرع قد اعتنى به، لكن هناك جانب مهم لا يقل أهمية عن هذا، ألا وهو أن الإنسان مسئول عن تربية نفسه، فعليه أن يسعى لتربية نفسه وتزكيتها وتهذيبها، والله تبارك وتعالى قرر في كتابه في غير ما آية المسئولية الفردية للإنسان، فقال تعالى:{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم:٣٨ - ٣٩]، وقال تعالى:{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}[مريم:٨٠]، وقال تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:٩٣ - ٩٥].
فهذه النصوص وغيرها تقرر المسئولية الفردية، وهي أن كل إنسان مسئول عن خاصة نفسه، في عمله وسلوكه وحياته، ثم هو -نتيجة هذه المسئولية- سيحاسب وحده وسيلقى الله عز وجل وحده.
فهذا مدخل بين يدي هذا الموضوع حتى لا نتصور أن الموضوع لا يعنينا بدرجة مهمة، أو أن الموضوع إنما يخص المربين.
نعم، وإن كان المربون لهم نصيب من هذا الحديث ومن هذا الخطاب، إلا أننا كلنا -أيضاً- نحتاج لمثل هذا الخطاب وهذا الحديث؛ لأننا يجب علينا أن نقوم بتربية أنفسنا، وندرك مسئوليتنا تجاه أنفسنا، وينبغي أن يراجع كل منا نفسه، ويشعر بأنه إن رزقه الله بمن يحسن تربيته وتوجيهه، فصار قدوة له، لا يعفيه ذلك من المسئولية عن نفسه، بأن يجتهد في تربية نفسه وإصلاحها، وأن يتعرف على الأسباب والوسائل التي تعينه على التربية السليمة لنفسه.