للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اهتمام الشباب بالشهوات]

صورة أخرى: صورة ذاك الشاب الذي قد سيطر عليه هم آخر وهو الشهوة، فسيطرت عليه الشهوة، فصارت تحكم تفكيره وحياته، فهو يفكر دائماً في هذه الشهوة، وكيف يقضي شهوته ويصرفها، فيجلس أمام الأستاذ في الفصل والأستاذ يشرح، لكنه يعيش في واد آخر غير هذا الوادي الذي هو فيه.

ويعيش مع الناس لكنه معهم ببدنه وأما قلبه ففي وادٍ آخر، ويسير بسيارته لكنه أيضاً يفكر تفكيراً آخر، ويتطور الأمر لديه وهو في الفصل ربما والأستاذ يشرح الدرس، فيخرج القلم ويخرج كراسة الكشكول أو الكتاب، فيبدأ يكتب عبارات دون أن يشعر، ويتحرك قلمه فيكتب قصائد حب وغرام، ويكتب عبارات معينة، وحروفاً معينة، ورموزاً معينة، كلها تعبر عن هذا الجحيم الذي يعيشه، وتعبر عن هذا الاهتمام الذي سيطر عليه.

وقد يتجاوز الأمر أحياناً فيكتب على كتابه، وربما يكون هذا الكتاب كتاب التفسير، أو كتاب التوحيد مثلاً، وهذا أمر رأيته بعيني، فقد رأيت أحد الطلاب كتب عبارات ساقطة على كتاب التفسير، ولا أستطيع أن أقولها لكم، ولا أتجرأ أن أقول هذا الكلام الذي يكتبه هذا الطالب على كتاب التفسير.

ولا شك أنه كتب هذا الكلام في درس التفسير، فهو قد أخرج الكتاب والأستاذ يشرح وهو يعيش في وادٍ آخر، فالأستاذ يتحدث عن أسماء الله وصفاته، وعن اليوم الآخر، وعن هذا القرآن الذي أنزله الله هداية للناس، وصاحبنا يعيش في وادٍ آخر.

وربما يتطور الأمر ويصلي ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٢ - ٤].

والله سبحانه وتعالى يخاطب عبده كما تعلمون (إذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] قال: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] قال: أثنى علي عبدي، مجدني عبدي، هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).

وصاحبنا يعيش في وادٍ آخر، وله هم آخر، فهو يفكر في هذه الشهوة، وصارت هذه الشهوة مقياساً له يقيس به الناس، حتى قد يتحول الأمر به إلى أن يصبح عبداً وأسيراً لهذه الشهوة تحكمه، حتى إن من الناس من يضحي بدينه، وقد يقول عبارات الكفر -عافانا الله وإياكم- لأجل هذه الشهوة التي أصبح أسيراً لها.

أقرأ لكم كلاماً ذكره ابن القيم رحمه الله، وكلامه في هذه المواضع طويل وكثير جداً، لكن هذا كلام ذكره في (إغاثة اللهفان)، قال وهو يتحدث عن حال العاشق: فهو أعظم ذكراً له -أي: لمعشوقه- من ربه، وحبه في قلبه أعظم من حب الله فيه، وكفى به شاهداً على نفسه، {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:١٤ - ١٥].

فلو خير بين رضاه ورضا الله لاختار رضا معشوقه على رضا ربه، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه، وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه، وهربه من سخطه أشد من هربه من سخط ربه عليه، يسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه، فإن فضل من وقته فضلة، وكان عنده قليل من الإيمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه، وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه ومصالحه صرف زمانه كله فيها، وأهمل أمر الله، يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس، ويجعل لربه من ماله -إن جعل له- كل رذيلة وخسيس، فلمعشوقه لبه وقلبه وهمه وخالص ماله، وربه على الفضلة وقته، قد اتخذه وراءه ظهريا، وصار لذكره نسياً، إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجي ربه وقلبه يناجي معشوقه، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق، إلى آخر كلامه رحمه الله.

هذه صورة من صور بعض الاهتمامات التي قد تطغى على الشاب.