[كثرة الفتن والمغريات]
بعد ذلك ننتقل إلى النقطة الأساسية والمقصودة من خلال عرض هذا الموضوع، ألا وهي: مسوغات مطالبتنا بالتربية.
نحن حينما نطالب بالتربية، ونرى أننا بحاجة إليها، فما المسوغات التي تدفعنا لذلك؟ عندما نقول: إن جيل الصحوة يجب أن يعتني بالتربية، وأن توجه له التربية، وأن تقوم مؤسسات ودراسات وبحوث وجهود لتأصيل النظرية التربوية المتكاملة، ومن خلال برنامج عملي أيضاً، وألا تكون القضية مجرد كلام وطرح نظري معرفي فقط، أقول: عندما نطالب بذلك فإن لنا حججاً ومسوغات: أولها: كثرة الفتن والمغريات: إن الشاب الآن يتعرض لفتن كثيرة خاصة في مرحلة المراهقة وما يعقبها، ومن هنا فتراه يعيش صراعاً مع نفسه، وصراعاً مع شهواته، وصراعاً مع هذه الفتن والمغريات التي تؤزه أزاً للفساد وتدفعه دفعاً، ويرى أن هناك عوامل عدة تدفعه دفعاً إلى الرذيلة والفساد، فيرى وسائل الإثارة والإغراء، بدءاً بالأفلام والتلفاز.
وها نحن أقبلنا على خطر داهم يدركه الجميع ألا وهو البث المباشر، فأصبح الشاب الذي قد لا يكون خرج من مدينته، بل قد لا يكون جاوز قريته يدير التلفاز ومحطات الاستقبال، فينقله إلى أوروبا وأمريكا ودول الكفر والإلحاد؛ ليرى الإباحية والتفسخ والانحلال.
وهو خطر قادم أشعر أننا لم ندرك حقاً حجم خطورته، وأشعر أن تعاملنا مع هذا الخطر دون مستوى خطورته، وأخشى أيها الإخوة! أن نحصد النتيجة مرة، من خلال خسارتنا لعفاف بناتنا، وعفاف أبنائنا، وهي قضايا لسنا نتحدث عنها من خلال مبالغة، وها نحن نرى نماذج مرة من الانحلال والفساد والتفسخ والجريمة إنما تحصل من خلال هذه المغريات وهذه المثيرات التي يراها الشاب أو تراها الفتاة.
كم جنينا وعانينا من جراء أفلام الفيديو، والتي تتعرض لمراقبة أياً كانت هذه المراقبة، لكنها تتعرض لمراقبة، وقد يصعب على الشاب الحصول على الفلم الذي يريد، ولكن الآن أصبح العالم كله يعرض بين يديه دون مراقبة، ودون استثناء، في الطعن في عقيدته وأخلاقه وسلوكه، وتعليمه أساليب الجريمة، وسائل الإثارة والإغراء والفتن تعرض أمام ناظريه، فماذا يفعل هذا الشاب؟! وحينما يذهب إلى أي محل تجاري يرى تلك المجلات الساقطة التي زينت أغلفتها بصور النساء تعرض أمامه، حينما يذهب يمنة ويسرة يرى هذه الفتن تدعوه وتؤزه أزاً.
إن الشاب الملتزم المستقيم يعيش معاناة لا يعلمها ولا يدركها إلا هو، واسمحوا لي أيها الإخوة! لأقول: إن الكثير من الآباء، بل الكثير من الأساتذة، بل الكثير من أهل التوجيه يعيشون بمعزل عن عمق المعاناة التي يعاني منها الشاب، والجحيم الذي يعيشه، ومن هنا فأنت ترى أسئلة الشباب كثيرة، تدور حول الثبات، ومعاني الثبات، والخشية من الانحراف, إلى غير ذلك.
لا شك أن هذا سؤال يبعث على الفهم، ونحن حينما نرى الشاب يشعر بعمق الخطر، لا شك أن هذه بداية لمواجهة هذا الخطر، ولكن مثل هذا التساؤل الذي يطرحه الشاب كثيراً، إنه نتيجة إفراز معين عن شعور من تلك المعاناة العميقة التي يعاني منها الشاب، والتي للأسف لا يجد الشاب من يشاركه هذه المعاناة، فيتحدث مع أبيه، ويطرح على أبيه مطالب، فيرى أنه يعيش في وادٍ ووالده يعيش في وادٍ آخر.
إن الأب يحاكم هذا الشاب المراهق التي تتوقد الشهوة لديه، وقد أشرعت الفتن ناظريها أمام عينيه، يحاكم هذا الشاب إلى نفسه، وإلى عقليته، وإلى ظروفه، وإلى مرحلته التي عاشها، وقد تكون هذه المرحلة مضت بكل مشاعرها ومغرياتها وبكل الفتن وكأنها حلم أو رؤيا رآها، غير أنه عاش مرحلة ومجتمعاً يختلف عن هذا المجتمع، وهذه المعاناة التي يعاني منها الشاب.
أقول أيها الإخوة: إن هذه المعاناة، وهذه الفتن والمغريات التي أصبحت تعصف بالشباب يمنة ويسرة من أهم المسوغات التي تدعونا إلى المطالبة بالتربية الجادة والعميقة، إن هذا الشاب يواجه ألواناً من الفتن والمغريات والضغوط التي تدعوه وتؤزه إلى الفساد، فحينئذٍ يحتاج إلى الثبات، ويحتاج إلى ما يعينه، ليس ثم إلا تلك التربية القوية التي تربي عند الشاب الخوف من الله سبحانه وتعالى، والتضحية لله عز وجل، والصبر، والتحمل، وضبط النفس، والإرادة، كل هذه المعاني بحاجة إلى أن تغرس عند الشاب؛ حتى تكون سلاحاً له بعد توفيق الله سبحانه وتعالى وتثبيته، حتى يقف أمام هذه المغريات وهذه الشهوات.
ولعل قراءتنا وتأملنا السريع في السيرة تعطينا القناعة بذلك، حينما تتأمل مثلاً في حادثة الردة، ترى أن الذين ارتدوا عن الإسلام هم أولئك الذين دخلوا في الإسلام حديثاً، هم أولئك الذين قال الله عز وجل عنهم: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤].
فبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت قبائل من العرب، ولكن أهل المدينة ومكة ومن حولهم من الأعراب الذين قال الله عز وجل عنهم: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ