للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التربية العاطفية]

رابعاً: ومن الإغراق في العاطفة: التربية العاطفية: حين تسيطر العاطفة على المربي أباً أو أستاذاً، أياً كان موقعه وتربيته، حين تكون العاطفة هي المسيطرة عليه، فحينئذٍ يتعامل مع من يربيه بعاطفة جياشة، ويتجاوب مع مشاعره، وتساهم هذه العاطفة في حجب الرؤية السليمة والصحيحة لهذا المربي، الرؤية لواقع هذه العاطفة أيضاً في حجب ما يحتاج إليه، فهو مع حاجته إلى الترغيب يحتاج إلى الترهيب، ومع حاجته إلى الحب والحنان يحتاج إلى نوع من الجفاء حين ينفع الجفاء، والخشونة قد تنفع فهي كاليد تغسل أختها.

إن إغراق المربي في العاطفة يحجب عنه الأخطاء، يحجب عنه العيوب، يحجب عنه الموضوعية، يحجب عنه الحزم الذي يحتاج إليه في مواقف الحزم، فينهار حينئذٍ تجاوباً مع هذه العاطفة الجياشة، ويتخذ مواقفه وقراراته، ويرسم برامجه استجابة لتلك العاطفة، فهو يخشى أن يمل الشباب، يخشى أن يتضايق الشباب، يخشى أن يسأم الشباب، يريد أن ينفس عن الشباب، ولا تكاد تجد عنواناً أدق لهذه الأوهام وهذه المخاوف إلا التربية العاطفية.

وحين يكون قضاء وقدر هذا الشاب أن يتعامل مع غير صاحبه الأول، فإنه لا يطيق التعامل مع غيره، ولا يطيق الفراق، وحين ترى من تربيه لا يطيق فراقك، ويحن إليك حنيناً زائداً، فهذا عنوان إغراقك في العاطفة، فإنك أيضاً ينبغي لك أن تربي تلميذك، وينبغي أن تربي من تحتك على أنه على أتم الاستعداد لأن يتخلى -لا كرهاً- عنك، إنما حين يكون الأولى أن يتخلى، حين يكون الأولى أن يفارقك.

نعم قد يشعر بحنين كم منزل في القلب يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل لكن حين يزداد هذا الحنين، فيتأثر القرار بهذا الحنين، حين يساوم على هذا القرار، فهذا دليل على الإغراق في التربية العاطفية، وجدلاً نقنع أنفسنا بأن هذا عنوان نجاحنا، وأن هذا عنوان إقناعنا للآخرين، وليس هذا إلا حيلة نفسية نخادع فيها أنفسنا.

الله الله في هذه النشء، الله الله في هذا الجيل، إننا -معشر الشباب ومعشر المربين- بحاجة إلى جيل حازم، بحاجة إلى جيل يتحمل المسئولية، بحاجة إلى جيل ينتظر أن يقال له: لا، فيستجيب، بحاجة إلى جيل ينتظر أن يقال له: سر في غير هذا الطريق، فيسير في غير هذا الطريق.

أما الجيل الذي لا يستجيب إلا مع عواطفه، إلا مع مشاعره، فهذا لا يثبت وقت المحنة، ولا وقت الفتنة، ولا يؤمل فيه خير.