للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدين الإسلامي والنفس الإنسانية]

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فهذا الدين وهذه الشريعة الخاتمة جعلها الله عز وجل خاتمة للشرائع، وختم تبارك وتعالى بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم النبوة والرسالات، فلا رسول ولا نبي بعده صلى الله عليه وسلم.

ولما كانت هذه الشريعة شريعة خاتمة، ولما كان هذا الكتاب كما قال الله عز وجل: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة:٤٨] كانت هذه الشريعة العظيمة شريعة صالحة لكل زمان ومكان، هذا الدين حينما نتحدث عن عظمته، حينما نتحدث عن إعجاز هذا الدين في تشريعه وأحكامه فإن الوقت يضيق بنا، إنك لو حدثت جاهلاً بهذا الدين، لو حدثته عن طبيعة هذا الدين وعن إعجازه وعن أحكامه العظيمة لكان ذلك كافياً في إقناعه بعظمة هذا الدين.

أيها الإخوة الكرام! هذا الدين لم يكن مجرد شعائر يتعبد بها الإنسان لتلبي حاجة في نفسه، وليس مجرد أعمال يؤديها الإنسان لمجرد فقط أن يؤدي هذه الأعمال، إن هذا الدين عظيم، هذا الدين لم يشرع الله عز وجل لعباده أمراً وحكماً صغيراً أو كبيراً إلا وفيه حكمة، وحكمة بالغة، هذا الدين يصل الإنسان بربه عز وجل ويعبده لله تبارك وتعالى، وهو أيضاً في الوقت نفسه يربي الفرد المسلم ويربي المجتمع ويربي الأمة، فهو وسيلة للعبودية لله تبارك وتعالى ولتربية النفس وبنائها وتزكيتها.

ومن هنا فإن هذه النفوس لن يصلحها إلا هذا الدين؛ لأن الله عز وجل قال -وهو تبارك وتعالى الذي خلق الخلق وهو أعلم بهم- قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، فالجن والإنس إنما وجدوا لعبادة الله عز وجل، ليست هناك أي غاية ولا مصلحة ولا حكمة ولا فائدة من خلق الجن والإنس سوى هذه الغاية الوحيدة، وهي عبادة الله تبارك وتعالى، وما دام هذا الإنسان قد خلق لعبادة الله عز وجل فإن هذا الإنسان قد ركب بطبيعته: بتكوينه الجسمي وبتكوينه النفسي والعقلي ركب بما يهيؤه لهذه الوظيفة وهذه المهمة، وهذا أمر نلحظه في حياتنا، نلحظه في حياتنا الخاصة في ما يصنعه الإنسان وينتجه في حياته، فإن ما يصنع ليؤدي وظيفة ما يصنع بالطريقة التي تجعله متلائماً مع هذه الوظيفة.

فالأجهزة -على سبيل المثال- المحمولة التي صممت ليحملها الناس ويتنقلوا بها، هذه الأجهزة يراعى فيها هذه الوظيفة، فهي في الأغلب تكون صغيرة الحجم، خفيفة الحمل، تحتمل الصدمات، طاقتها الكهربائية تتحمل أكثر من نظام كهربائي؛ لأنها مهيئة لأن تنتقل، بخلاف الأجهزة الثابتة المستقرة التي تهيأ لتكون في مكان واحد، كذلك وسيلة النقل التي تصنع لتسير في الصحراء والطرق الوعرة تهيئ لهذه المهمة، وحينما يسير بها الإنسان في الطرق المعبدة يفقد فيها قدراً من الراحة يجده في وسائل النقل الأخرى، وحينما يسير في تلك السيارة التي جهزت بأدوات الراحة والرفاهية لتسير في المدينة حينما يسير بها في الطرق الوعرة، في طرق لم تخصص لها فإن هذا سيضر بها كثيراً، بل ربما لا يستطيع أن يسير بها في هذه الطرق، ولو استطردنا في ذكر الأمثلة لوجدنا أن المقام يضيق، فإذا كان هذا فيما صنع الإنسان وفيما أعده الإنسان فما بالكم بخلق الله عز وجل، وخذوا على سبيل المثال عالم الحيوان، وكيف أن الله تبارك وتعالى لو تفكرنا بطبيعة الحيوان كيف أن الله عز وجل هيأ في خلق الحيوان ما يلائمه لهذه الوظيفة، فالإبل على سبيل المثال التي من طبيعتها أن تعيش في الصحراء وتأكل أنواعاً من الأشجار الصحراوية هيأ الله عز وجل لها ما يلائمها لأن تعيش في هذه الأجواء، فهي تملك عنقاً طويلاً تستطيع أن تصل من خلاله إلى الأشجار دون مشقة وعناء، وتستطيع أن تحتمل الظمأ أكثر من غيرها من الحيوانات التي اعتاد الناس أن يربوها في المزارع أو في المنازل وغيرها.

وما دامت قد هيئت للركوب فإنها تحتمل الركوب والسير عليها بخلاف غيرها؛ ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً من بني إسرائيل ركب بقرة فالتفتت إليه فقالت: إنا لم نخلق لهذا، رغم أن تركيب البقرة وحجمها لا يبتعد كثيراً عن الإبل، لكن حينما لم تهيأ للركوب ولم تخلق لذلك فإنها لا تحتمل ذلك، بينما نجد الخيل والبغال والحمير وغيرها مما ذكر الله عز وجل أنه خلقها لهذه المهمة نجدها تحتمل مثل هذا الدور وهذه المهمة.

وهكذا من تأمل في الحيوانات التي تعيش في الصحراء، من تأمل في واقع الحيوانات المفترسة، من تأمل في واقع الطيور، في واقع الحشرات، في واقع الحيوانات التي تعيش في البر والتي تعيش في البحر في خلق الله عز وجل يرى عجباً، ويرى كيف أن هذا الكائن خلقه الله تبارك وتعالى بما يتلاءم مع طبيعته، وبما يتلاءم مع الحكمة التي خلق من أجلها، والظروف التي يعيش فيها.

فإذا كان هذا في الحيوان، وإذا كان هذا في خلق الله عز وجل في الجمادات وفي أمور الحياة الطبيعية المادية فكيف بأعظم خلق الله عز و