الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد.
أيها الإخوة الكرام! لم يكن أحد يحسب أن نكون بحاجة إلى أن نحدث الناس عن الرجولة وأن نذكر بصفات الرجال وسماتهم.
فالرجولة وصف اتفق العقلاء على مدحه والثناء عليه، ويكفي حين تمدح إنساناً أن تصفه بالرجولة، وحين تذمه وتعيبه أن تنفي عنه الرجولة، أليس الأب والمعلم يعاتب ولده بنفي الرجولة قائلاً: ألست رجلاً؟ أليس يذكره بالرجولة قائلاً له: لقد أصبحت الآن رجلاً؟ أليس يعيبه ويذمه حين يقول: إنك طفل ولست من الرجال؟ يتطلع الصغير والصبي إلى ذلك اليوم الذي يوصف فيه بالرجولة ويحدث من حوله من الصغار والكبار عما سيفعل حين يكون رجلاً، إنه يتشبه بالرجال في حديثهم وفي مشيتهم وفي لباسهم، وحين تعود إلى دنيا الناس ترى العجب من أخلاقهم وطباعهم وترى ما لا يخطر لك على بال لكنك مع ذلك كله لا ترى فيهم من يرضى بأن تنفى عنه الرجولة، إنه أمر يتفق عليه الجميع مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم عاقلهم وسفيههم بل أنت ترى كثيراً من الحمقى والسفهاء يبررون حماقتهم بأنها مقتضى الرجولة، ومع هذا كله فالمسافة بين واقع الناس وبين الرجولة ليست مسافة قريبة فالبون بين الواقع والدعوى شاسع، وواقع الناس يكذب ادعاءهم.
فيما مضى في عصر العرب الأوائل كانت الرجولة إرثاً كانت مفخرة وممدحة، وبغض النظر عما انحط فيه أولئك من السفاسف والرذائل فقد كان لديهم سمو في الأخلاق ونبل في المعدن، ولذا فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه بعث في خير الناس.
لقد خلق الله عز وجل الخلق عرباً وعجماً وجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم من العرب فهم خير فرقة من الناس، وهو صلى الله عليه وسلم خيرهم وأبرهم وأتقاهم وأكملهم رجولة.
وفي عصر الحضارة والمدنية المعاصرة في عصر غزو الفضاء وحرب النجوم في عصر التقنية والاتصال؛ تحول العالم إلى قرية صغيرة فارتقى الناس في عالم المادة وانحطوا في عالم الأخلاق والقيم صعدوا إلى الفضاء وأقدامهم في الحضيض تطلعوا إلى الإنجاز المادي وهمهم شهواتهم وأهوائهم:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان:٤٤] وورث المسلمون وذرية العرب الأوائل ورثوا من هؤلاء العفن والفساد ورثوا منهم مساوئ الأخلاق، وساروا وراءهم في لهث وسعار، فلا المدينة والحضارة أدركوا ولا أخلاقهم ورجولتهم أبقوا، فاندثرت الأخلاق والشيم مع عالم المادة.
وصرت بحاجة إلى أن تذكر الرجال بسمات الرجولة وتطالب الشباب بأن يكونوا رجالاً لا صغاراً.
إن هذا يدعونا إلى أن نتحدث عن الرجولة إن هذا يدعونا إلى أن نذكر الرجال بسمات الرجولة وصفات أهلها.
وذكر هذا الحديث ليس عيباً لهؤلاء الذين تحلقوا في هذا المكان، فهم من خير الرجال وأبرهم، لكننا جزء من هذا المجتمع والكيان المتكامل نتأثر بما فيه ونؤثر فيه، ونحن الذين ينتظر منا أن نحمل لواء الإصلاح والتغيير والبناء في المجتمع، فنحن بحاجة إلى أن نذكر أنفسنا بسمات الرجال وصفاتهم؛ لأن من مهمتنا جمعياً أن نسعى في بناء الرجولة في مجتمعاتنا، ولئن كان أمراً استفدناه وتربينا عليه فهذا لا يعني بالضرورة أننا لا نحتاج إلى أن نذكر به خاصة حين نريد أن نحمله إلى الآخرين، وحين يراد أن نربي أبنائنا وجيلنا على هذا المعنى.