يعرض الله عز وجل علينا في كتابه الكريم صوراً من أولئك الذين تخلوا عن حمل الأمانة، ورأوا أنها موكولة إلى فئة خاصة، فعاقبهم الله سبحانه وتعالى، وهم بنو إسرائيل، وقد ذكرنا موقفهم مع موسى حين ظنوا أن القضية إنما تعني موسى وهارون، فحين سلكوا هذا السبيل عاقبهم الله سبحانه وتعالى، فتاهوا في الأرض أربعين سنة، فحين تخلوا عن الأمانة، وعن تحرير الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم -وهي أمانة لا تخص موسى وهارون عليهما السلام، إنما هي أمانة في أعناقهم جميعاً- حين تخلوا عنها عاقبهم الله سبحانه وتعالى بأن تاهوا في الأرض أربعين سنة.
وكذلك أولئك الذين قال الله عز وجل عنهم:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ}[الأعراف:١٦٣ - ١٦٤] وكانت النهاية ما أخبر تعالى به في قوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ}[الأعراف:١٦٥].
ويخبر الله سبحانه وتعالى أن بني إسرائيل قد حقت عليهم لعنة الله، فيقول تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ}[المائدة:٧٨ - ٧٩].
معشر الإخوة الكرام! تلك نماذج تساق في مساق الذم، وفي مساق القدوة السيئة التي يراد لهذه الأمة أن تتجنبها، وألا تسير على طريقها، تساق تحذيراً لهذه الأمة، فما بالنا نقول بلسان حالنا:{لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا}[الأعراف:١٦٤]؟! ولماذا نفترض أن القضية تعني فلاناً وغيره، وإن لم يكونا على اسم موسى وهارون، فالمنطق هو المنطق، والسبيل هو السبيل، إنه سبيل أولئك الجبناء الذين كتب الله لهم الأرض المقدسة فاختاروا التيه والضلال، فتاهوا أربعين سنة عقوبة لهم على تخليهم عن حمل هذه الأمانة.