[أهمية الحديث عن الحور بعد الكور]
معشر الشباب! النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الحور بعد الكور، إذاً: فهي قضية جدير بنا أن نحرص على معرفتها أشد الحرص، وما حالنا وحال الصالحين فضلاً عن حال أنبياء الله فضلاً عن حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.
معشر الشباب: الفتن والصوارف عن طريق الخير في هذا العصر أكثر، فأنت هنا تسمع الكلمة الناصحة، تسمع ما يرقق قلبك، أو تسمع ذلك في خطبة الجمعة، أو في اللقاءات الطيبة مع إخوانك الأخيار، ولكنك عندما تذهب إلى المنزل سترى في أجهزة اللهو ما يهدم كل ما بنيته، عندما تذهب إلى محل تجاري تقابلك المجلات التي تحمل تلك الصور الفاتنة، عندما تجلس مع فلان وفلان من زملائك في الدراسة أو الفصل أو الحي ماذا يتحدث هؤلاء؟ وعم يتحدثون؟ الكثير من الشباب حديثهم وهمهم هو الشهوات المحرمة وتحصيلها، ففي خضم هذا الواقع الذي هو مليء بما يفتن الشاب ويصده عن دينه، يكون جديراً بالشاب وواجباً عليه أن يحرص على أن يتعرف على أسباب الهداية، وأن يتعرف أيضاً على أسباب الحور، عله أن يجتنبها حتى يوفقه الله سبحانه وتعالى إلى سلوك الطريق المستقيم، وقبل ذلك كله وبعده هو توفيق الله سبحانه وتعالى وهدايته.
وهنا سؤال مهم: عندما نتحدث مثلاً عن هذه المشكلة فهل يعني أنها أصبحت مشكلة سائدة؟ أصبحت مشكلة عامة؟ ما مدى حجم هذه المشكلة وانتشارها؟ فلابد أن نضع الأمور في نصابها، ولابد أن نتعرف على حجم هذه المشكلة ولا نعطيها أكثر من حجمها، بحيث يتخيل كل من يسمعنا أن الفئة الكثيرة من الشباب الذين سلكوا طريق الاستقامة ينحرف عن الطريق المستقيم، وأيضاً لا نبالغ في الطرف الآخر وندس رءوسنا في التراب، ونقول: إن هذه حالات أصلاً غير موجودة أو حالات نادرة جداً، نحن يبدو لنا بادئ ذي بدء أن المشكلة كبيرة.
نعم يا إخوة! المشكلة ضخمة عندما نخسر واحداً، لا شك أن ذاك الشاب الذي رأيناه قد سلك طريق الاستقامة نتمنى أن نبذل كل ما نملك ويستمر على هذا الطريق، ولا شك والله إنه ليسوؤنا أن يتنكب واحد من هؤلاء الشباب الطريق، والأمة أحوج ما تكون إلى مثل هذه الطاقات، ومن هنا تبدو ضخامة المشكلة، لكن
السؤال
ما نسبة هذه المشكلة؟ ما حجم هؤلاء الذين ينحرفون بالنسبة إلى أولئك الذين يستمرون على طريق الاستقامة؟ نحن يخيل لنا في البداية -كما قلت- أنها مشكلة منتشرة، ومشكلة عامة وقضية خطيرة كما يثير الكثير من الشباب.
فأولاً: سأضرب لكم مثالاً: أنت الآن -مثلاً- عندما تذهب من هنا إلى مدينة عنيزة وترى ثلاثة حوادث في الطريق، تتخيل أن الحوادث كثيرة جداً، تتخيل أنه ليس هناك من أحد يسير من هذا الطريق إلا وهو معرض لأن يقع عليه الحادث، تتجاوز -مثلاً- مدينة عنيزة إلى مدينة بريدة وترى أيضاً أربعة حوادث، فتشعر بأن هذه المشكلة مشكلة عامة، تشعر بأن كل من سار في هذا الطريق معرض للحادث، لأن السيارات التي تسير في الطريق السليم ولا تتعرض للحادث لا تلفت انتباهك، لا يلفت انتباهك إلا الحالة الشاذة، حتى تصل إلى النسبة الحقيقية لحجم هذه الحوادث، خذ عدد السيارات التي أصابها حوادث وانسبها إلى عدد السيارات التي سارت ولم يصبها الحادث.
فكذلك نأتي إلى هذه الظاهرة، أنت مثلاً عندما تعرف أحد الشباب كان مستقيماً ثم قابلته بعد فترة ورأيته قد انحرف، ثم يمر عليك نموذج آخر، وثالث ورابع وخامس، تتخيل أن المشكلة عامة، لكن الآخر الذي كنت تعرفه مستقيماً، ثم قابلته بعد سنوات وهو لا زال على طريق الاستقامة لا يلفت انتباهك؛ لأن هذا سائر على الأصل.
على كل حال أنا لا أريد أن أطيل في هذه النقطة، لكن أقول: إنه مع عنايتنا بهذا الأمر يجب ألا نضخمه، وأن نخيل للناس ونتخيل أن أكثر وعامة من يسلك هذا الطريق يتنكب الطريق، ولكن المشكلة تبقى مشكلة خطيرة، لأن القضية ليست مجرد خسارة مادية بل كون الإنسان يتنكب هذا الطريق معناه أن يخسر دنياه وآخرته، فهي قضية لا تقبل التنازل، هذا أمر.
الأمر الثاني: أن الأمة الإسلامية تحتاج إلى هذه الطاقات، فلا شك أن سقوط واحد يعني أننا تأخرنا قليلاً، ونحن نحتاج إلى أن نبحث عما يدفعنا إلى الأمام.