إذاً: نخلص من هذه الحقائق السابقة إلى أن المقولة حول أزمة المرهقة وأن مرحلة المراهقة مرحلة متحكمة فيها الأزمات، والمشكلات، والصبوة والانحراف، مقولة خاطئة ولدها علم النفس المعاصر الذي نشأ نشأة غربية، فالباحثون هم أولئك الغربيون، والمجتمعات التي تجرى عليها الدراسات هي تلك المجتمعات الغربية، وهذا يعني أن يعيد الآباء النظر من جديد في تعاملهم مع أبنائهم، وأن يروا أن كون الابن شاباً لا يزال في ريعان الشباب ومرحلة المراهقة لا يعطيه مسوغاً بحال للانحراف والصبوة وأن يعب من الشهوات.
وينبغي أن يعيد الأساتذة ورجال التربية النظر أيضاً من جديد في نظرتهم للجيل الذي يعلمونه ويدرسونه، ينبغي أن نعيد النظر في تطلعاتنا وما نرجوه من الشباب في هذه المرحلة، وأن نعيد النظر أيضاً لأنفسنا إذا كنا نحن نعيش هذه السن وهذه المرحلة.
هذا كله لا يعني أبداً أن مرحلة المراهقة ليس فيها مشكلات، وليس فيها أزمات، وحينما ننفي ذلك نفياً قاطعاً فنحن قد نناقض الواقع الذي نعيشه، لكن فرق بين أن يكون هناك أزمات ومشكلات يعيشها المراهق، وبين أن تكون مرحلة المراهقة مرحلة ملازمة للأزمة والمشكلة والانحراف والصبوة، فرق بين أن نلتمس له العذر من جراء هذا الانحراف وهذا الفساد لأنه مراهق، ولأنه لا يزال شاباً، ولأنه سيدرك بإذن الله أن يستقيم حين يكبر ويتقدم به السن؛ فرق بين هذا وذاك.
ثم إن الواقع الذي نعيشه والمشكلات التي نعيشها هي نتاج للعصر الحاضر الذي نعيشه بكل ما فيه من فساد وسوء، فالعصر الحاضر هو المسئول عما يسمى بأزمة المراهقة، ولهذا رأينا عالم المراهقة عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعند سلف الأمة عالماً آخر يختلف تماماً عن هذا العالم الذي نعيشه.
إن المراهقين الذين أصبحنا نراهم الآن يلاحقون آخر الصرعات المعاصرة الهيبز والانحراف والأمراض الجنسية ونزلاء الدور الإصلاحية ودور الملاحظة، ونراهم يتزعمون عصابات الإجرام والفساد ولا يطيق ضبطهم آباؤهم ولا أمهاتهم ولا أساتذتهم ولا مجتمعاتهم ولا حتى أجهزة الأمن في هذه المجتمعات التي يعيشونها.
إن الشباب الذين يعيشون في هذه السن قد عاش قبلهم أولئك في السن نفسها أولئك الذين كانوا يتسابقون على ميادين الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، ويتسابقون على حلق العلم وحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، فلو كانت القضية قضية السن لرأينا هذا النموذج عند أولئك السابقين.