[أمثلة لسوء فهم النصوص الشرعية]
النقطة الأولى: متى يكون سوء الفهم آفة؟ أولاً: أمر عادي أن يسيء المرء الفهم، أو أن يخطئ في الفهم، وهذا يحصل في حياتنا كثيراً، كما ذكرت في المثال السابق، فأنت مثلاً تسمع كلاماً من فلان من الناس، فتفهم منه أنه يقصد كذا، وتكتشف خلاف ذلك، فأحياناً يأتي الموظف إلى المدير، فيفهم منه أنه موافق على مشروع معين، أو على برنامج يقترحه، ويبدأ بالتنفيذ، فيساءل من قبل المدير نفسه، فيقول: إنك قد وافقت، فيقول: لا.
أي أنه حصل سوء فهم.
بل إن الخطأ في الفهم حصل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة أشير إلى بعضها إشارة عاجلة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة بني قريظة في قصة مشهورة: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)، فكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت، ومنهم من فهم النص فهماً آخر، ففهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد منهم أن يعجلوا في المسير إلى بني قريظة، ومن ثم أدوا الصلاة في الطريق.
لا يهمنا الآن أن نقرر ماذا كان يقصد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن على كل حال منهم من أخطأ فهم نص النبي صلى الله عليه وسلم.
صورة أخرى ومثال آخر: يقول الله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:١٨٧]، فجاء عدي رضي الله عنه، فوضع خيطين عند وساده أبيض وأسود، وأصبح ينظر إليهما، فلما استبان له الأبيض من الأسود أمسك، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له مداعباً: (إن وسادك لعريض -أي: كأنك قد توسدت الأفق- إنما هو سواد الليل وبياض النهار).
نحن الآن أمام خطأ في الفهم وقع من أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأخطأ في فهم هذه الآية، فظن أن المقصود هو أن يتبين له الخيط الحقيقي الأبيض من الأسود.
يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:١٠٥]، وخطب أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: إنكم تقرءون هذه الآية، وتضعونها على غير موضعها، أي بعبارة أخرى: إنكم تخطئون في فهم المقصود من هذه الآية.
إذاً: فكان هناك من يخطئ في فهم هذه الآية ممن كان يخاطبهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:٩٣]، فهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآية فهماً آخر، فمنهم من شرب الخمر متأولاً هذه الآية في عصر عمر رضي الله عنه، ثم دعاهم وقررهم بالحكم، لا يهمنا الآن بقية القصة وما يتعلق بها.
الشاهد: أن هناك من فهم من هذه الآية أن المؤمن ليس عليه جناح في أي أمر يطعمه أو يشربه إذا آمن بالله عز وجل، وعمل صالحاً.
يقول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:١٥٨]، عروة بن الزبير رحمه الله سأل عائشة رضي الله عنها فقال: أرأيت قوله تعالى، ثم ذكر الآية، ففهم عروة رحمه الله من هذه الآية أنها تدل على أن الطواف بالصفا والمروة ليس واجباً، فصححت له عائشة رضي الله عنها هذا الفهم، وأخبرته بسبب نزول هذه الآية الكريمة.
لعلي أقتصر على هذه الأمثلة، وقصدت أن أمثل بالخطأ في فهم النصوص الشرعية، لما كان للجيل الأول من الاحتراز والتعامل مع النصوص الشرعية بعقلية كبيرة، ومع ذلك يقع بعضهم في هذا الفهم الخاطئ.