للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات الذات بطرق خاطئة]

يسعى الناس لتحقيق الرجولة والامتداح بها، ويحذرون من أن يوصموا بنقصها، لذا فأولئك الذين لا يسعفهم رصيدهم من الرجولة يلجئون إلى أساليب ترفع لهم هذا النقص وتسد لهم هذا الخلل، ومن ذلك إثبات الذات، وكثيراً ما يلجأ الشاب المراهق لذلك فيصر على رأيه ويركب رأسه وتغدو مخالفة رأي معلمه أو والده مطلباً بحد ذاته، فلسانه دوماً يردد: ألست رجلاً؟ ألست أدرك مصالح نفسي؟ كيف يكون مصيري بيد الآخرين؟ ويسهم رفاقه وأقرانه في دفعه إلى هذا التصلب مشيدين برجولته ونجاحه معيرين من لا يحالفهم الحظ في الانتصار على السلطة الغاشمة في نظرهم.

وربما يكون جهل بعض المربين بحاجات هذا الشاب وسماته مدعاة لهذا التصلب، لكن هذا الشاب لو أدرك أن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بخفض الجناح للوالدين فقال: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:٢٤] ولو أدرك قول الرسول صلى الله عليه وسلم لشاب جاء يريد أن يصحبه قال له صلى الله عليه وسلم آمراً أن يعود إلى والديه: (اذهب إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما)؛ لو أدرك ذلك لكان له شأن آخر.

إن الشاب الذي يملك مقومات الرجولة ليس بحاجة إلى تصنعها وإقناع الآخرين بها، فما لم تنطق حاله بذلك وما لم تشهد أفعاله برجولته فالتصنع لن يقوده إلا إلى مزيد من الفشل والإحباط، وبدلاً من ذلك فالأولى به أن يقنع من حوله برجولته من خلال اتزانه وهدوئه وأنه لم يعد يستفز كالأطفال، ومن خلال قدرته على إدارة الخلاف مع الآخرين، ومن خلال قدرته على إبداء رأيه لمن يكبره سناً وقدراً وأن يقدم هذا الرأي بلغة تليق بمقام المخاطرة، ومن خلال نضج رأيه وانطلاقه من أسس موضوعية تقنع الآخرين.