إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد: فقد كنا برهة من الزمن نخاطب الآباء والأمهات، ومن ولاهم الله تربية الجيل، نخاطبهم بمسئولية التربية، ونحدثهم عن أهمية التربية والعناية بها، ونحذرهم من خطورة التساهل والتهاون بهذه المسئولية، وما نزال نحتاج إلى هذا التذكير، وما يزال المؤمن يحتاج إلى أن يذكر ويوصى، ولقد أدرك اليوم الجميع وهم يرون النتائج المرة لإهمال التربية وعدم العناية بها أن قضية التربية قضية ملحة، وأدرك الجميع أن الكثير من مظاهر الفساد والانحراف والخلل في الأمة في دينها وعبادتها لله تبارك وتعالى، وفي تأخرها في أمور دنياها، وكونها في قافلة الركب، أدرك الجميع أن هذا التأخر والتخلف ليس إلا مظهراً من مظاهر إهمال التربية.
ومن ثم شعرنا بأننا نحتاج إلى حديث آخر، وأننا ينبغي لنا أن نتجاوز الحديث عن أهمية التربية وضرورة التربية، لا لأنه ليس حديثاً مهماً، بل لأن أولئك الذين لم يستفيقوا إلى الآن، ولم يدركوا أهمية التربية بعد ليسوا مؤهلين للتربية فعلاً، وهم يرون النتائج اليوم ماثلة أمام أعينهم.
أننا نسمع الشكوى كثيراً أيها الإخوة، نسمع الشكوى من الآباء، ونسمع الشكوى من المعلمين، ونسمع الشكوى من الصغير والكبير من مشكلات كثيرة نعاني منها من جيلنا، ويشعر الجميع أن هذه المشكلات إنما هي إفراز لسوء التربية وإهمال التربية، ويتداعى الجميع إلى ضرورة العناية بالتربية، ودورها في إصلاح الناشئة، وفي تعبيدهم لله تبارك وتعالى، وتحقيق الغاية التي من أجلها خلقوا، وهي العبودية لله تبارك وتعالى، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦].
لكن هل نتصور -أيها الإخوة- أن التربية التي تعنى بإعداد هذا الإنسان بنفسيته المعقدة، وطبيعته، والعوامل والمتغيرات التي تؤثر في شخصيته، هل نتصور أن هذه التربية يمكن أن يقوم بها الإنسان بخبراته الشخصية، وتجاربه الشخصية، أو بما ورثه وتلقاه عن آبائه وأجداده، فيتصور أن تلك التربية التي كان يتلقاها في محيط أسرته، أو من آبائه وأجداده هي التربية المثالية، وحين يناقش في هذا الأسلوب أو ذاك يفاجئك بعيداً عن المنطق، وبعيداً عن الحجة والبرهان بأنه: هكذا تربى؟!