أبو ذر رضي الله عنه يقول عنه الذهبي: كان أحد السابقين الأولين من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يفتي في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وكان رأساً في الزهد والصدق والعلم والعمل، قوّالاً بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم على حدة فيه.
أبو ذر رضي الله عنه إمام في الزهد وهذا لا يخفى، وكذلك كان مشهوراً بقول الحق، وقد أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(أوصاني خليلي بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، وأن لا أسأل أحداً شيئاً، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مراً، وأن لا أخاف في الله لومة لائم).
أبو ذر رضي الله عنه له عبارة مشهورة رواها البخاري تعليقاً، والقصة بتمامها عند أبي نعيم في الحلية: أنه أتاه رجل وهو جالس عند الجمرة الوسطى وهو يفتي فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه وقال:(أرقيب أنت عليّ؟ لو وضعتم الصمصامة على هذه -يعني السيف- وأشار إلى رقبته، فاستطعت أن أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجهزوا عليّ لأنفذتها) وهذه العبارة مشهورة وقد أوردها البخاري في كتاب العلم تعليقاً.
إذاً فهو رضي الله عنه كان إماماً في الزهد، وكان قوّالاً بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم، عنده استعداد أن أن يقول الحق حتى لو وضعوا السيف على رقبته واستطاع أن يقول في هذه الفرصة كلمة سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم لقالها رضي الله عنه، وورد من الثناء عليه أنه أصدق الناس لهجة رضي الله عنه، ومع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم له:(إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين على مال يتيم) فمع هذه الفضائل له، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه أن يتأمر على اثنين، وأن يتولى على مال يتيم؛ لأنه لا يصلح لذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
الآن هنا كون أبي ذر رضي الله عنه لا يتولى هذا المقام، أو لا يصلح لهذا الميدان هل يعني أنه قد أفلس من كل المقومات؟ وهل يعني أن أبا ذر رضي الله عنه لم يعد مؤهلاً أن يقدم خيراً للمسلمين؟ لا، فليس هذا هو المقياس، إن المقياس مقياس آخر، فلكل ميدانه.