أحياناً يصعب انضباط هؤلاء النجباء واستجابتهم؛ لأن الواحد منهم يشعر أن فلاناً لا يستحق أن يتولى عليه، وأن فلاناً لا يستحق أن يأتمر بأمره، وأن فلاناً كذا، ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يولي فلاناً صغير السن، حتى يتربى أصحابه صلى الله عليه وسلم على التسليم والانضباط، ما دام أن فلاناً تولى فله السمع والطاعة، ولو كنت خيراً منه، ولو كنت أفضل منه.
وعندما تتأمل في كيفية تأمير النبي صلى الله عليه وسلم للناس، فستجد أنه ما كان يؤمر الأفضل، فنحن نعلم أن أفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم الأربعة الخلفاء، ثم العشرة، ثم أصحاب الشجرة، ثم أصحاب بدر، ثم الذين أسلموا قبل الفتح، فتجد أحياناً النبي صلى الله عليه وسلم قد يولي من هو دون هؤلاء عليهم وهم كبار الصحابة، ومع ذلك لا يجدون غضاضة في ذلك أبداً.
إذاً: فمن آفات النجيب أحياناً ألا ينضبط وألا يستجيب حينما يولى عليه غيره؛ لأنه يشعر أنه هو نفسه يملك مؤهلات تؤهله لأن يتولى المسئوليات ولأن يكون فوق الجميع، ويشعر أن فلاناً من الناس لا يستحق أن يتولى عليه أو يطلب منه الانضباط والاستجابة لأنه يشعر أنه لا يملك هذه القدرات، وأنه أولى منه بهذا المكان، وأحياناً تلمس هذه الظاهرة مثلاً في الفصول الدراسية عند بعض الطلاب، فعندما يولى الطالب على الفصل كعريف للفصل يقوم بضبط الفصل، فإن بعض الطلبة لا يستجيب ولا ينضبط؛ لأنه يشعر أنه هو أولى بهذا المكان من ذاك فهو أذكى منه وأنبغ منه وأقدر منه.