للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توضيح اللبس في الاقتداء بالخلق النبوي]

السؤال

ذكرت في معرض كلامك أو أنا فهمت ذلك أننا لن نستطيع أن نبلغ ما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم بأخلاقه ولا صحابته بقولك: عزاؤنا أن الصحابة لم يبلغوا ما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم، أليس كلامك هذا فيه تثبيط للهمم؟ الرجاء توضيح ما التبس، كي يرتد إلينا النفس، ونكون كما كان أنس.

الجواب

لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم له منزلة ليست كسائر الناس، ولأصحابه منزلة ليست أيضاً لمن دونهم، لكن هذا لا يعني أن لا نتأسى بهم! ولو طبّقنا هذا لأبطلنا مبدأ التأسي أصلاً في العبادة وفي الهدي وفي كل الأبواب والمجالات لأننا لا نبلغ منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتصور أحد أبداً أن يبلغ منزلته صلى الله عليه وسلم، لكن كوننا لا نستطيع أن نبلغ منزلته لا يعني أن نلغي جانب التأسي.

وهنا شاهد سريع يشير إلى هذا المبدأ: أبو هريرة رضي الله عنه لما كان يذكر شدة جوعه وما يعانيه يقول: (كنت أخر عند المنبر من شدة الجوع فيأتي الرجل فيقرأ عليّ آية من القرآن يظن أن بي مساً وما بي إلا الجوع) يقول: (بلغ بي الجوع فلقيت أبا بكر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله، ما أسأله إلا ليطعمني فأجابني ثم انصرف، ثم لقيت عمر رضي الله عنه فسألته فأجابني ثم انصرف، ثم لقيت النبي صلى الله عليه وسلم فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: انطلق) من مِن الناس مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟ ومع ذلك خفي عليهما أن يدركوا هذا المعنى، ولو أن أبا بكر رضي الله عنه أو عمر أدرك القصد الذي كان يقصده أبو هريرة رضي الله عنه لأطعمه ولا شك.

لكن هكذا الناس مراتب ومنازل ودرجات، والإنسان يسعى قدر الإمكان أن يجتهد ويتطلع لمثل هذا المثل الأعلى، لكن إذا قصرت هممنا وتطلعنا إلى المثل القريب لا نستطيع أن نبلغه، يعني لو وضع الإنسان أمامه قدوة من الناس القريبين منه وأراد أن يسعى إليه فهو قطعاً لن يصل إليه وسيكون دونه، لكن لو كانت قدوته النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه يستطيع أن يصل إلى ما وصل إليه هذا الرجل الذي يراه أمامه ولا تقصر همته.