مرحلة الالتزام: لقد عشت يا أبت! مرحلة من الغفلة والصبوة كما قلت لك في بداية الرسالة، ثم من الله علي بالهداية، وانتقلت إلى مرحلة أستأذنك أن أحدثك عنها قليلاً: أولاً: هل كان لك دور؟ كم كنت أتمنى أن يكون صاحب الفضل في التزامي واستقامتي بعد الله هو أحب الناس وأقربهم إلي، هو أنت يا أبت! ولكن كم يؤسفني أن هذا الرجل لم يكن له أي دور، بل وحين هداني الله كنت أنتظر التشجيع، وأن أرى تغيراً، ولكن للأسف لم أجد شيئاً يذكر.
ثانياً: لماذا تكون عائقاً يا أبت؟! وحيث لم أجد ذلك يا أبت! فهل وقفت موقف الحياد، أم أن الأمر تغير في الاتجاه المعاكس؟ كم أعاني يا أبت! حين أريد أن أسافر للعمرة، أو أشارك مع طلاب الحلقة، في حين لا يعاني أخي الذي يسافر إلى ما لا يخفى عليك، ولست أدري يا أبت! ما أقول ها هنا، كم مرة ودعت أصحابي ودموعي تذرف؛ لأني لم أصحبهم؛ لا لشيء إلا لأن أبي لم يوافق، وكم ورقة أحضرتها من المدرسة تطلب الموافقة على المشاركة في برامج الجمعية المدرسية وكان رضاك دائماً في زاوية: لا أوافق.
أتدري كم حفظت من القرآن؟ لقد التحقت بعد أن هداني الله يا أبت! بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم، ومضيت في حفظ كتاب الله بجد وعزيمة، وها أنا الآن قد أنهيت حفظ كتاب الله بحمده عز وجل، وابتدأت بعد ذلك في حفظ (عمدة الأحكام) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يؤسفني يا أبت! أني لم أسمع منك هذا السؤال ولو مرة واحدة: كم حفظت يا بني! من القرآن؟ أي درس حضرت؟ ما أخبار الحلقة؟ ما أخبار الدرس الأسبوعي في المسجد؟ أي أثر يتركه يا أبت! مثل هذا السؤال، وخصوصاً حين يصحب ذلك بالتشجيع والثناء والحث والدعاء: اللهم فقهه في الدين، وزده علماً وعملا؟! أتعرف أصحابي؟ كم مرة تقابلهم يا أبت! لدى الباب فلا يحظون منك بالسلام، فضلاً عن الترحيب والتقدير، أو الجلوس معهم والتعرف عليهم، ومعرفة أحوالهم، ألا ترى يا أبت! أن ذلك يشعرني بالتقدير والاهتمام والثقة؟ هل أنا متشدد فعلاً؟ كم سمعت منك هذا الوصف يا أبت! ولست أدري هل انتقلت إليك العدوى من وسائل الإعلام، فما أن أفوه بكلمة، وما إن تراني على عمل حتى تنهاني عن التشدد، وحتى صيام النوافل مدرج في القائمة لديك ضمن التشدد، فضلاً عن قيام الليل، وحتى إنكار المنكر وآلة اللهو يعتبر هو الآخر تشدداً.
لا أنكر يا أبت! أني قد أقع في الخطأ، وأني شاب قد أبالغ أحياناً، ولكن ما هكذا تورد الإبل، وما هكذا تؤخذ الأمور.