للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظاهرة التكامل التشريعي]

رابعاً: الشرع تبدو فيه ظاهرة التكامل معلماًً بارزاً، فما من مجال من مجالات الحياة إلا وللشرع فيه حكم، فإنك ترى الشرع له حكم في معتقد الإنسان الذي قد لا يعدو أن يكون عقيدة مستقرة في القلب، وترى للشرع حكماً في تعامل الإنسان مع غيره، وحكماً في عبادة الإنسان، وحكماً في سلوكه وأخلاقه، وفي الاقتصاد، والسياسة، وحياة الناس الاجتماعية وعلاقاتهم.

إنك لا تجد باباً من أبواب الحياة إلا وتجد للشرع فيه حكماً واضحاً ظاهراً، وهذا يعني أننا أمام شرع متكامل، وحين نربي الناس على هذا الشرع فينبغي أن نربي الناس تربية متكاملة متوازنة؛ ولهذا أنكر الله عز وجل على بني إسرائيل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة:٨٥].

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء:١٥٠ - ١٥١].

ولهذا فمن إعجاز القرآن أن حذر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عن صورة نراها في واقعنا، حين أمره أن يحكم بشرع الله، وحين أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين الناس بما أنزل إليه وأن يحذر من اتباع أهوائهم قال بعد ذلك: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:٤٩]، وكأن هذه الآية تنطق بواقع هذه القرون المتأخرة، أن هناك من يساوم على شرع الله، فيأخذ بعض شرع الله عز وجل ويرفض بعضه، فينادي بالاحتكام إلى شرع الله عز وجل في باب من أبواب الحياة، ويرفض بعد ذلك سائر الأبواب، وهذا هو اتباع الهوى والإعراض عن شرع الله عز وجل؛ ولهذا حذر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من أهل الأهواء الذين يريدون أن يحكموا شرع الله في أمر من أمور الحياة ويهملوه في سائرها.

إن هذا -معشر الإخوة الكرام- دليل على أن هذا الشرع جاء ليحكم الحياة كلها، وحينئذ فأي منهج تربوي يريد أن يربي الناس على خلاف ذلك فهو معارض لهذه القاعدة الشرعية التي لا تنخرم، وتراها في كل حكم شرعي في سائر أبواب الحياة.