الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد.
فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيب الإخوة على دعوتهم وعلى حسن ظنهم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال في هذا الشهر الكريم المبارك الذي تصرمت أيامه وانقضت لياليه، وها نحن قدمنا في هذه الليلة وقد مضى شطر هذا الشهر، فنحن في الليلة الخامسة عشرة منه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب.
(لا تجعلوا بيوتكم مقابر) هو عنوان حديثنا لهذه الليلة.
الله سبحانه وتعالى خص هذه الأمة بخصائص، وفضّلها على سائر الأمم بفضائل، وتحدث صلى الله عليه وسلم عن شيء من هذه الفضائل والخصائص، منها أنه كما قال صلى الله عليه وسلم:(جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما امرئ من أمتي أدركته الصلاة فليصل) وذلك أن الأمم السابقة كانوا لا يصلون إلا في بيعهم وكنائسهم وصلواتهم، أي: أماكن عبادتهم، أما هذه الأمة فالأرض لها مسجد وطهور، فهم يصلون أينما أدركتهم الصلاة.
هذا فيما يتعلق بالصلاة المكتوبة، أما سائر الصلوات فلها شأن آخر، لا شك أن هذه البيوت فيها النور والبركة، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}[النور:٣٦ - ٣٧].
فهذه البيوت أمر الله سبحانه وتعالى ببنائها وتطهيرها، وأثنى على أولئك الذين يعمرون هذه المساجد ويذكرون الله عز وجل فيها، وأخبر سبحانه وتعالى أن هذه المساجد إنما يعمرها أهل الطاعة:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ}[التوبة:١٧] ثم قال بعد ذلك {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}[التوبة:١٨] إلى آخر الآيات.
لا شك في فضل هذه المساجد وأنها بيوت الله كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وكما ورد في الحديث المتواتر:(من بنى لله بيتاً بنى الله له بيتاً في الجنة) وأن المرء إذا غدا إلى المسجد أو راح أُعد له نزل في الجنة كلما غدا أو راح، وأنه كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم:(إذا خرج المرء من بيته فإن الله يتبشبش له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم).