لماذا ينشأ هذا الغلو؟ لماذا نفتقد الاعتدال في مواقفنا؟ هناك عوامل كثيرة، من العوامل: ضعف ثقافة الإنسان، الإنسان كلما كان ضعيف الثقافة كان إدراكه محدوداً، والثقافة تجعل الإنسان يتسع إدراكه، تجعله يشعر أن للظاهرة أكثر من وجه، يشعر أن لهذه الظاهرة أكثر من سبب، يشعر أن لهذا الحدث أكثر من تفسير، كلما اتسعت ثقافة الإنسان زادت رؤيته للأمور، وإذا كانت هذه الثقافة محدودة، صار إنساناً صارماً، لا يستوعب أن يفهم فهماً شمولياً، لا يستوعب أن يفهم أن يخالفه الآخرون، يصبح لا يعرف إلا أسود وأبيض، وحقاً وباطلاً، كل الأمور عنده على هذا المقياس والميزان الصارم، وأحياناً يؤتى الإنسان من ضعف ثقافته على المستوى الأفقي، قد يكون الإنسان على المستوى الرأسي مطلعاً، يعني: قد يكون عنده اطلاع واسع، لكن اطلاع في إطار معين، وتخصص معين، وهذا قد يؤدي به إلى أن يكون شخصاً مبالغ في آرائه ومواقفه، والذي يجعل الإنسان أكثر اعتدالاً إذا اتسعت ثقافته على المستوى الرأسي، وتنوعت مصادر الثقافة، وتنوع اطلاعه، يجعله يشعر أن كثيراً من الأمور التي كان يعتقد أنها محسومة هي أمور نسبية، هي أمور تحتمل الرأي، تحتمل وجهات النظر.