حكم ترك المسئولية خوفاً من المساءلة يوم القيامة
السؤال
هل ترك المسئولية في العمل والنزول إلى عمل ليس فيه مسئولية، والقصد من ذلك الخوف من الله في يوم العرض أن يسأله عن الغير؛ هل هذا نوع من الورع المذموم أو المرغوب؟
الجواب
يختلف هذا الأمر، إذا كان يوجد من أقرانه من يقوم به، فحينئذٍ ينبغي أن يتورع، وهذا الخوف من تحمل المسئولية.
لكن حينما يكون الناس الآخرون سيئين، كما لو كان هناك متدينون وعلمانيون فلا ينبغي للصالحين التورع وترك الأمر لأولئك الفجار السيئين، بل حينما يكون البديل رجلاً فاجراً يجب أن نزاحمه، بل من الورع الدخول في هذا الميدان، والورع عدم ترك هذه الميادين لهؤلاء، وينبغي أن نتجاوز هذه العقلية.
وأعمال السلف تختلف، وهناك قاعدة مهمة -واسمحوا لي ولو استطردت في هذه القضية- لأنه كثيراً ما يحتج الناس بأقوال السلف، وأقوال السلف تختلف: أولاً: أقوال آحاد السلف ليست حجة مطلقاً، بل يجب أن تعرض على الكتاب والسنة.
ثم أقوال آحاد السلف ليست هي منهج السلف، أحياناً إنسان يقول: هذا منهج السلف، أو هذا خلاف منهج السلف، ثم يختار من أقوال السلف ما يؤيد الكلام الذي يقوله، ويترك بقية الأقوال.
فمنهج السلف أن تجمع كل أقوالهم ثم تناقش القضية على ضوئها، لا أن تختار الأقوال التي تؤيدها ثم تقول هذا منهج السلف، فهذا غير صحيح.
ثم القضية المهمة التي هي موضع الشاهد هنا: أن السلف عاشوا عصراً، له ظروف معينة، وأوضاع معينة، فحينما يقول أحدهم كلاماً، ويفعل عملاً فإنه ينطبق على عصره، وعلى موطنه، فلا نسوق الكلام الذي قاله ونطبقه على عصرنا، فمثلاً: من السلف من عاش في بلاد المغرب أو مصر تحت حكم العبيديين، وقد كانوا باطنيين وكفاراً، فهذا سيكون له قول فيهم غير قول الذي عاش عند هارون الرشيد، أو عند أبي جعفر المنصور، أو غير قول الذي عاش عند عمر بن عبد العزيز، هناك من عاش في المدينة بين الصحابة وبين أبناء الصحابة، وهناك من عاش في الأندلس، وهي بلاد بعيدة وحديثة عهد بالإسلام، فوضع هذا غير وضع ذاك، والأقوال التي يقولها هذا غير الأقوال التي يقولها ذاك.
فالشاهد أن أقوال السلف مع أنها يجب أن نحفظها ونعنى بها، لكن يجب أيضاً أن نضع في الاعتبار العصر الذي قيلت فيه.
فهذا حينما يتورع عن توليه المسئولية سيخلفه غيره ومن هو خيرٌ منه، وربما من هو من دونه لكنه فيه خير وعلم وفيه صلاح.
لكن ما كان أحد من السلف في مسؤلية فيتخلى عنها وهو يعرف أنه سيتولاها علماني، أو رجل صاحب شهوات، لا، لأن القضية تصير كما قال يوسف: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:٥٥].