الأمر الرابع أيضاً الحديث في القرآن عن الجوارح، وهو حديث كثيف، فالحديث عن الجوارح في القرآن فيه الإشارة إلى قضية الدليل والبرهان والحجة.
أولاً يمتن الله سبحانه وتعالى على عباده بأن سخّر لهم هذه الجوارح، يقول في سورة النحل:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ}[النحل:٧٨] وفي سورة الملك: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[المؤمنون:٧٨] وفي سورة السجدة: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[السجدة:٩] وفي سورة الملك: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[الملك:٢٣] ماذا يعني امتنان الله عز وجل بأن جعل لهم السمع والبصر والعقل؟ حين يمتن الله سبحانه وتعالى على عباده بالسمع والبصر والعقل، فهذا يعني بالضرورة أنها نعمة يمتن بها سبحانه وتعالى علينا، يعني أن تعطيلها من تعطيل خلق الله ومن تغيير خلق الله، ولا يجوز تغيير خلق الله بل هذا من تلبيس الشيطان، يقول الله عز وجل حاكياً سبيله وحجته:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}[النساء:١١٩].
فلماذا يخلق الله للناس السمع والأبصار والأفئدة والعقل؟ وإذا كانت سنة الله في الناس أن يتبعوا غيرهم وأن يسيروا وراءهم، فلم لم يخلق الله سبحانه وتعالى لنخبة خاصة من الناس عقولاً وسمعاً وأبصاراً، ويترك البقية كالذي ينعق بما لا يسمع، أما وقد خلق الله للناس سمعاً وأبصاراً وأفئدة وامتن بها عليهم، فهذا يعني أن يحكّموها وأن يستخدموها في البحث والوصول إلى الحق.