للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التربية التي نريد]

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أما بعد: فهذا هو الدرس السابع من الدروس التربوية أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيها الخير والبركة، وأن يعيننا على إتمامها والاستفادة منها.

وهذا الموضوع إنما هو امتداد للموضوع السابق، فنحن كما أننا بحاجة إلى القناعة بأهمية التربية والحديث عن ضرورتها، والعناية بها نحن كذلك نحتاج إلى نوع من التربية، إن المجتمعات والمؤسسات التربوية، والتجمعات بل الأفراد جميعاً يمارسون التربية لأنفسهم، وليست كل تربية هي التربية التي نريد، فنحن نريد التربية التي تهيئ المرء ليكون عبداً حقاً لله سبحانه وتعالى، ليكون أهلاً أن يتحمل هذه الرسالة وأن يحمل هذا الدين، ومن ثم كان لا بد من الحديث عن التربية الجادة.

وقد نتساءل ماذا نعني بالتربية الجادة، لعل هذا التساؤل تزول الحاجة له عند الحديث عن جوانب هذا الموضوع، ولكننا يمكن أن نقول باختصار: إن التربية الجادة يمكن أن نعرفها من خلال برامجها، فهي تلك التربية التي تحتوي على برامج جادة وعلى برامج طموحة تهدف إلى الارتقاء بالمتربي إلى منازل عالية وإلى منازل الرجال.

ويمكن أن نتعرف إليها من خلال الهدف التي تؤدي إليه، والنتيجة التي تصل إليها ألا وهي إعداد الرجل الجاد، الرجل الجاد ليس هو قليل الدعابة والهزل، الرجل الجاد هو صاحب الهدف، الذي يسري في أعماقه وروحه، الرجل الجاد هو من يتوجه بالعبادة الحقة لله سبحانه وتعالى، هو الجاد في طلبه للعلم الشرعي، هو الجاد في دعوته إلى الله عز وجل، هو الرجل القادر على اتخاد القرار الحاسم في الوقت المناسب، هو الرجل الشجاع، هو الرجل غير الهياب، إن مواصفات الرجل الجاد مواصفات أشمل وأتم من أن تكون ذاك الرجل قليل الضحك كما قد يتبادر للذهن، وماذا نريد من إنسان صموت قليل الضحك قليل الكلام وهو في مقابل ذلك قليل العمل وقليل الإنتاج، فلعل بعض الجمادات تكون أكثر هدوءاً وأقل كلاماً وحديثاً من الكثير من أولئك، وما تغني شيئاً، فنحن نريد بالرجل الجاد الرجل العامل الذي يقول الكلمة حين ينبغي أن تقال، يعمل العمل حين ينبغي، صاحب المبادرة في حياته كلها، ونحن بحاجة إلى أن نتخلص من وهم الجماهير والانخداع بها.

إننا نرى الآن أفواجاً هائلة تفد إلى الله سبحانه وتعالى، ونرى هذه الصحوة المباركة تمتد على قنوات ومجالات شتى، وهي ظاهرة ولا شك تبشر بالخير وتسر كل مسلم، ولكننا ينبغي أن لا نفرط في التفاؤل وأن لا نعطي هذه الجماهير أكبر مما تستحق، وأن لا نعول عليها فقد تخذلنا حين نحتاج إليها، {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:٢٥]، ونخشى أن تتحول هذه الغثائية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستصيب الأمة: (قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل) نخشى أن تتحول هذه الغثائية إلى تيار الصحوة، فيصبح عندنا تياراً قوياً جارفاً فيما نتصور، ولكنه غثاء كغثاء السيل.

إنني لست أتشاءم ولا أقلل من الإنجازات، ولست أنظر بنظرة سوداوية إلى إنجازات هذه الصحوة، ولكنني أيضاً أخشى أن يصيبنا داء غيرنا الذين يتحدثون عن الإنجازات ويتحدثون عن الأرقام ويهتمون بالعدد، وأن ترى الحديث كثيراً في القرآن في ذم الاغترار بالكثرة والاغترار بالعدد، إننا مع حرصنا على تكثير سواد الصحوة وعلى سواد المنتمين لهذا الطريق والخير ينبغي أن لا نخدع بهذه الجماهير، وينبغي أن نشعر ونوقن أن هذه الجماهير بحاجة إلى تربية، تربية جادة، تربية عميقة، تربية طويلة تحتاج إلى جهود يتظافر عليها الجميع، وما كنا نظن أنه سيأتي الوقت الذي نحتاج إلى أن نقنع الناس بالحاجة إلى التربية، أن نتحدث عن أهمية التربية والحاجة إليها، إنها قضية ينبغي أن تكون بدهية، ينبغي أن تكون مستقرة لدى الجميع، وقد كانت كذلك فترة من الزمن ولكن حين امتد الخير وانتشر رواقه، ودخل من دخل أصابنا ما أصابنا فأصبحنا بحاجة إلى أن نقرر البدهيات، وبحاجة إلى أن نتحدث عن أهمية التربية، إننا الآن بحاجة إلى أن نتحدث عن وسائل حديث في التربية، بحاجة إلى أن نتحدث عن مشكلات تربوية، بحاجة إلى أن نتحدث عن برامج التربية عن مضمون التربية وما يتعلق بها، وينبغي أن نتجاوز تلك المرحلة التي نقنع فيها الناس بضرورة التربية والحاجة إلى التربية، هذا مدخل بين يدي هذا الموضوع، والذي سيتضمن النقاط الآتية، مبررات المطالبة بالتربية الجادة، ثمار التربية الجادة، صور من نتائج التربية الجادة، حين تتخلف التربية الجادة، والمفاهيم المغلوطة، مقترحات للنقلة.