رابعاً: أيضاً طالب الله عز وجل بالبرهان والحجة والدليل أولئك الذين جادلوا في آيات الله عز وجل، ففي سورة غافر:{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا}[غافر:٣٥]{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}[غافر:٥٦].
وفي سورة الحج:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ}[الحج:٨].
وفي سورة لقمان يقول سبحانه وتعالى:{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ}[لقمان:٢٠]، ولفظة العلم ترادف في كتاب الله عز وجل البرهان والحجة والدليل، إن العلم في شريعتنا ليست قضية لا يدركها إلا خاصة من الناس، قد يسوغ هذا الأمر عند النصارى الذين يرون أن رهبانهم لهم الحق وحدهم في فهم الكتاب المقدس، وفي تفسيره، وبيان مراد الله عز وجل، وقد يكون هذا الأمر سائغاً عند أولئك الذين يجعلون لهم أئمة عدد شهور العام هم وحدهم المؤهلون لمعرفة الدين، وهم وحدهم الذين يفهمون مراد الله عز وجل، وقد يكون هذا سائغاً عند أهل الخرافة الذين يرون أن التلميذ ينبغي أن يكون عند شيخه كالميت عند مغسله يقلبه كيف شاء، أما المسلمون فهم يقرءون في كتاب الله عز وجل:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:١٧]، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:٢٤]، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}[ص:٢٩]، ومن يقول إن هذه الآيات يخاطب بها اثنا عشر إماماً، أو تخاطب بها فئة خاصة من الناس، فليأت بالبرهان والحجة والدليل.
إذاً: فقضية العلم ونفي العلم ونفي البرهان كلها تدور حول قضية الدليل، ولهذا قال أهل العلم: إن المقلد الذي يأخذ الحكم دون دليل ليس طالب علم.