للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شعور الداعية بالتقصير في نفسه يدفعه إلى تربيتها لا إلى ترك ما يدعو إليه]

السؤال

إنني إنسان قد أعطاني الله قدرة على إقناع الشباب المبتدئين في العلم والحفظ ورحل مشاكل الشباب، ولكني أجد في نفسي أنني أريد أن أكون أنا الأعلى، فإذا فتشت في نفسي وحاسبتها وجدت أني مقصر في كل ما أحث عليه، فأرجو أن توجهوني إلى حل هذه المشكلة، فإني أعاني منها منذ زمن طويل، علماً أن كثيراً من الشباب يعتبرونني قدوة لهم، ويرجعون إلي في كثير من مشاكلهم، وجزاكم الله خيراً.

الجواب

نقول: هذه منزلة طيبة فلا تفرط فيها؛ لأنك حين تكون مرجعاً للشباب، وتساعد في حل مشاكلهم، وقدوة لهم، ولكن كما قلت سابقاً ليس الحل أن تترك هذا الأمر، بل الحل أن تساهم في تربية نفسك.

ثم أنت هل تتصور أن الآخرين أيضاً لا يعانون من هذه المشكلة؟ الجميع يعاني من هذه المشكلة، ويرى أنه من أكثر الناس تقصيراً وذنوباً وإهمالاً، أنا الآن الذي تعرض علي السؤال أشعر بأني أكثر منك تقصيراً وإهمالاً، بل أشعر أن الكثير ممن يستمع إلي هو أتقى لله وأخشى لله مني، وما لي من رجاء أكثر من أن ينفعني الله بدعوة من رجل صالح سمع مني خيراً فنفعه الله به، هذا العمل الذي أرجوه، أما ما أقدمه فأنا أعلم بنفسي، وأعرف أن عندي تقصيراً، وأعرف أن عندي إهمالاً وذنوباً، لكن لو كان كل إنسان يرى عنده ذنوباً وتقصيراً فلن يعمل أحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم لا يذنبون).

فالبشر لا بد أن يقعوا في الذنب والتقصير، ثم الذنوب شيء وواجب الدعوة شيء آخر، يعني: وقوعك في الذنب لا يعني أبداً أن تترك الدعوة، وتعال قارن لي بين شخصين: شخص مذنب ومقصر ويساهم في الدعوة، وشخص آخر مذنب ومقصر ولا يساهم في الدعوة، أيهما أسوأ حالاً؟ فهل الحل أن تترك الواجب الشرعي بحجة أنك مذنب؟! لا أدري من أين جاء هذا الوهم، عند بعض الناس شعور أنه لا يصلح لأن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ولا ينصح ولا يقول كلمة الحق إلا الإنسان المتقي الكامل، أبداً، إذا صار عندنا هذا الشعور فلن يصل الإنسان إلى المنزلة التي يقتنع فيها بنفسه، وإذا وصل الإنسان إلى منزلة يقتنع فيها ويرضى فيها عن حاله فهو مغرور ومعجب بنفسه.