للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كتم العلم]

سابعاً من العلم الذي لا ينفع: حينما يكتم المرء العلم: قد لا يلبس الحق بالباطل، وقد لا يصد عن سبيل الله، لكنه قد يكتم العلم الذي يجب عليه بيانه كما قال تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة:١٥٩ - ١٦٠].

حينما يجب على الإنسان أن يبين العلم فيكتمه يتعرض لهذا الوعيد، فيصبح هذا العلم غير نافع لصاحبه، ما قيمة العلم الذي تعلمه؟ وهب أنه حصّل ما حصّل لقد كان هذا العلم سبباً لأن تحيق عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين عافانا الله وإياكم، ولهذا يخبرنا تبارك وتعالى أنه أخذ الميثاق {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ * لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:١٨٧ - ١٨٨].

ولهذا من سئل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار عافانا الله وإياكم.

إذاً فحين يكتم المرء العلم في موقف يجب عليه أن يبينه فإنه لا ينتفع بعلمه، وأشد من ذلك الصنف الذي قبله الذين يلبسون الحق بالباطل ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، ولا شك أن الذي يوظف العلم للفتنة والصد عن سبيل الله ويأخذ مقابل ذلك أجراً أنه ممن يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:١٧٤].

صورة أخرى نراها كثيراً في واقعنا، وهي من صور العلم الذي لا ينفع، هذه الصورة تتمثل في نماذج من الناس، ممن تعلم العلم الشرعي، وحصل على شهادات وعلى مناصب، كم هم الآن في العالم الإسلامي خريجو الكليات الشرعية والدراسات الشرعية؟ ثم بعد ذلك بقي هذا الإنسان في عمل لأجل أن يأخذ على ذلك أجراً ومرتباً ولم تستفد الأمة ولم يستفد أحد من هذا العلم الذي تعلمه، بل صار من أبعد الناس عنه، فهذه صورة من العلم الذي لا ينفع، والذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم.

هذه بعض الصور أيها الإخوة من العلم الذي لا ينفع، ولا نستطيع أن نحصره في دائرة واحدة فكل علم لم يحقق للمرء مصلحة في الآخرة وهي المقصود الأعلى والأهم من تحصيل العلم، أو مصلحة في دنياه فهو داخل تحت هذا العلم الذي يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم بالله منه في دعاءه.

فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، ونستعيذ به تبارك وتعالى من العلم الذي لا ينفع، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.