[الصراع والتنافس بين الملتزمين وغيرهم]
إن أول خطأ أرى أن الجميع مسئولون عنه هي هذه الهوة السحيقة والفجوة العميقة بين هذين الجيلين، بين الشباب الملتزم والشباب غير الملتزم، فأنت ترى كل طرف يعتقد أنه في ميدان، والطرف الآخر في ميدان آخر يقابله، بل نرى أنهما قد أصبحا في ميدان تنازع وتنافس، وربما في ميدان صراع.
لا شك -معشر الإخوة الكرام- أن سلوك المرء واستقامته ودينه يؤثر على علاقته، وعلى نظرته للناس، ولا شك أن هذا يصير الناس فئات، فيتعاملون من خلال ما يعتقدون من معتقدات، وما يمارسون من سلوكيات، والمشابهة في الظاهر تورث المحبة واللقاء في الباطن، والتنافر في الظاهر يورث التنافر في الباطن، ولكن هذا شيء والواقع الذي نعاني منه شيئاً آخر.
إنني أطرح هذا السؤال الذي أرجو أن نطرحه جميعاً -معشر الملتزمين وغير الملتزمين- على أنفسنا: من المستفيد من هذه الفجوة وهذه القطيعة؟ إن الأعداء هم المستفيدون؛ لأنهم يحولون دون وصول الخير، ودون وصول الكلمة الناصحة والصادقة إلى الطرف الآخر، ودون وصول النقد والتقويم إلى الآخرين.
ثم السؤال نفسه بطريقة أخرى: من الخاسر؟ نحن جميعاً، ولست أقول: إنه غير الملتزم، بل حتى الملتزم، إن الشاب غير الملتزم يخسر خسارة كبرى حين يساهم في إيجاد هذه الهوة، وهذه الفجوة، إنه يخسر حين يقيم هذه الهوة وهذه الفجوة، فيقيم أمامه سحباً تمنعه من وضوح الرؤية، وتجعل حاجزاً بينه وبين طريق الخير وطريق الصلاح والاستقامة، فيفترض حواجز وعوائق تحول بينه وبين طريق الخير، فهو الخاسر الأكبر.
وأنت أيها الشاب الملتزم خاسر أيضاً؛ لأنك تساهم في الحيلولة بينك وبين من تريد أن تخاطبه في هذه الدعوة، إن مثل هذا الشاب كما أنه يحتاج إلى دعوتك، فأنت أيضاً تحتاج إلى أن تفتح معه هذه العلاقة، وتفتح معه هذه الصفحة؛ لتقدم بين يديك عملاً صالحاً تدخره عند الله عز وجل، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
إن مثل هذه القطيعة المفتعلة، التي نمارسها ونسعى إليها، تحول بيننا وبين هذا الميدان الواسع الفسيح من الدعوة، بل تكون عائقاً لنا عن أداء هذا العمل الذي هو من أفضل الأعمال التي نتقرب بها إلى الله عز وجل.
إذاً: معشر الإخوة الكرام! من الرابح ومن الخاسر؟ قلب الأمر حيث شئت؛ لترى أننا بحاجة إلى أن نلغي هذه القطيعة، وأن نقضي عليها.
ثم مع ذلك نحن نخسر خسائر أخرى غير هذه الخسارة؛ نخسر الشاب غير الملتزم حال بينه وبين طريق الهداية، وطريق الكلمة الناصحة، والشاب الملتزم حال بين نفسه وبين هذا المجال من مجالات الدعوة، ومجالات الكلمة الناصحة الصادقة، هذا الميدان من ميادين العبادة والطاعة التي يتقرب بها إلى الله عز وجل.