[شغل النفس بنقد المجتمع وذكر صور الانحراف وقصص الفساد]
تاسعاً: من صور الإخلال بالعمل: الحديث المستفيض عن واقع المجتمع نقداً، وذكراً لصور الانحراف وقصص الفساد، فيأخذ الحديث ساعات طوالاً مع النماذج والأمثلة، يجتمع الناس والخيرون منهم خاصة في مجلس من المجالس فيتحدثون مثلاً عن انتشار الفواحش عافانا الله وإياكم، فهذا يذكر قصة، والآخر يذكر حادثة، والثالث قضية، والرابع إحصائية، وهكذا يستمرون في حديث طويل لا يقطعه عليهم إلا شغل آخر من ذكر هذه النماذج وهذه القصص، فيظنون أن هذا حديث خير، وأن هذا من باب إشغال المجلس بما يفيد فيقضون ساعات طويلة ويتمخض المجلس بعد ساعتين أو ثلاث ساعات دون أي نتيجة عملية.
إن هذا الحديث ولو كان مصحوباً بالبكاء مصحوباً بالنشيج مصحوباً بالتألم على واقع المجتمع لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يمكن أن يدفع الأمة ولو خطوة واحدة، لقد تجاوزنا جميعاً ويجب أن نتجاوز مرحلة الشعور بواقع المجتمع مرحلة فسد الناس مرحلة: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحوقلة والاسترجاع، إنها مرحلة يجب أن نتجاوزها إلى العمل إلى المشاركة الفعالة، ولا يجزئ عنا شيخ يتوكأ على عصاه، أو شاب يتوقد همة وحيوية يملأ مجالسه من البكاء والتألم على واقع المجتمع والأمة، والإفاضة في الحديث عن ذكر الصور المؤلمة من ألوان الانحراف والفساد التي تعج بها مجتمعات المسلمين دون أن يتبع ذلك بأي رصيد عملي أو خطوة عملية.
ولو ألزمنا أنفسنا أننا بعد نهاية كل مجلس من هذه المجالس نخصص ونقتطع جزءاً من هذا الوقت ولو كان لا يزيد على ربع ساعة أو نصف ساعة للسؤال عن الدور العملي الذي يجب أن نقوم به في مواجهة هذه المشكلة أو تلك لتحول حديثنا إلى لغة أخرى، ولتحولت مجالسنا إلى مجالس منتجة للعمل ومقدمة للخير للأمة جمعاء.