الأمر الرابع: في المقابل أن يتورع الداعية عن أن يقول ما لا يعرف: كما أنه يجب أن يتورع فلا يسكت عن حق يعلمه، ولا يتخاذل عن تعليم ما يعلمه، أو عن أمر بمعروف ونهي عن منكر، فكذلك أيضاً يجب أن يتورع فيما يقول، وأن يعلم أنه يوقع عن رب العالمين، وكما أنه يحذر أن ينطبق عليه قول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى}[البقرة:١٥٩]، ويحذر أن ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من سئل عن علم فكتمه) كذلك ينبغي عليه أن يحذر من أن يكون ممن ينطبق عليه قول الله عز وجل: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:٣٣].
أو ينطبق عليه قول الله سبحانه وتعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:٣٦].
فيتورع أيضاً عن أن يقول أمراً لا يرى أنه الحق، أو لا يوقن أنه حق، وعليه أن يعلم أنه مسئول أمام الله عز وجل عن كل كلمة يقولها.
والمهم في ذلك أن يجتهد، وأن يبذل وسعه، ولو أخطأ في ذلك بعد أن بذل جهده ووسعه فالله سبحانه وتعالى يغفر له، بل هو مأجور على اجتهاده.
لكن حين تريد أن تقول كلمك تنقل عنك وتسطر عنك، وحين تريد أن تنكر أمراً أو تأمر بأمر فعليك أن تسأل نفسك: هل هذا مما يرضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ هل هذا مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ هل هذا من الحق الذي لا مرية فيه؟ أم أن هناك مداخل، وهناك هوى، فقد يسأل الإنسان فيخشى ألا يجيب فيتهم بنقص العلم.
أو قد يكون هناك مدخل هوى أو رغبة أو رهبة أو غير ذلك، فعليه أن يتورع أن يتحدث بغير علم، وميدان الدعوة ميدان فسيح يا معشر المسلمين، كثيرة هي الأمور التي نعلمها ونعلم أنها محرمة ولنا فيها ميدان فسيح وواسع، لم تضق الدائرة إلى تلك القضية التي لم تتضح فيها المعالم لنا حتى نتحدث فيها، من من المسلمين يجهل مثلاً أن محبة الكفار وموالاتهم وإعانتهم ونصرتهم ضلال قد توصل المرء إلى الكفر بالله عز وجل؟ مَنْ مِن المسلمين يجهل أن تحكيم غير شرع الله عز وجل كفرٌ بالله سبحانه وتعالى؟ مَنْ مِن المسلمين يجهل أن دعاء غير الله والتوجه له، وأن التوسل بالصالحين والتبرك بآثارهم أمرٌ محرم؟ مَنْ مِن المسلمين يجهل تحريم البدع والسفور والربا والخمر والغناء والظلم والبغي وأكل أموال الناس بالباطل والكذب والغيبة والنميمة، وغيرها من المحرمات الظاهرة التي يعلمها الصغير والكبير؟ أقول: أمامنا ميدان فسيح من هذه الأمور وهذه المخالفات، فينبغي أن نتحدث في مثل هذه الأمور والمنكرات الظاهرة الواضحة.
أما دقائق الأمور فحين يعلمها المرء ينبغي أن يتكلم، لكن حين لا يثبت الحكم لديه فله مندوحة، وحين يراجع نفسه ويشعر أن ثمة مأخذ عليه فإنه يتورع ويتركها.