للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة التوحيد هي دعوة جميع الأنبياء]

وقفة أخرى أيضاً: يقول الله عز وجل عنهم: {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف:١٤].

فذكر هؤلاء توحيد الربوبية والألوهية: {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف:١٤] إنها دعوة واحدة وهي دعوة جميع الأنبياء: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦]، وما أرسل الله عز وجل من رسول إلا أوحى إليه تبارك وتعالى بهذه الكلمة؛ أوحى إليه: إني لا إله إلا أنا فاعبدون، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء أولاد علات).

فقضية التوحيد هي قضية الأنبياء، هي قضية الأنبياء منذ آدم ونوح وهود وصالح، فكل هؤلاء ومن تلاهم ومن لم يقص الله علينا شأنهم كانت مقولتهم لقومهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ} [الأعراف:٥٩]، وهي أيضاً مقولة أهل الكهف الذين آمنوا بالله وزادهم هدى.

والتوحيد الذي يأخذ هذا القدر وهذه القيمة هو التوحيد بمفهومه الواسع، لا بالمفهوم الضيق الذي يحصره كثير من الناس في قضايا معرفية بحتة، إن كثيراً من المسلمين اليوم يشعرون أنه من الخلل بالتوحيد أن يقول أحدهم: ما شاء الله وشئت، أو أن يقول: لولا الله وفلان، ونعم، هذه أمور ينبغي أن يحذر منها الناس، وأبواب الشرك الأصغر والأكبر ينبغي أن يحذر منها الناس ويعوها، لكن أولئك الذين يحذرون من قول: ما شاء الله وشئت قد يقول أحدهم في الثناء على مخلوق بلسان الحال لا بلسان المقال: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار إن أهل التوحيد لا يليق أبداً أن يكون في قلوبهم تعظيم لغير الله عز وجل، إن أهل التوحيد لا ينبغي أن تمتلئ قلوبهم إلا بالتوجسه لله تبارك وتعالى، وأولئك الذين تعلقوا بالدنيا وتعلقوا بالشهوات وصارت هي الحاكم الأول لكل ما يريدون، أولئك الذين صارت الدنيا هي كل شيء لديهم ينبغي أن يراجعوا توحيدهم، إنهم لو عظموا الله ووحدوا الله عز وجل وامتلأت قلوبهم بتوحيد الله تبارك وتعالى وتعظيمه لما تجرءوا على ذلك.

وأولئك الذين يتجرءون على شرع الله عز وجل فيحرم الله أمراً تحريماً صريحاً واضحاً فيتجرأ أولئك على إباحته على رءوس الأشهاد، أولئك ما قدروا الله حق قدره، وما وحدوا الله عز وجل حق توحيده، وأولئك الذين يتجرءون على مقام الألوهية فيشرعون ما لم يأذن به الله، أولئك قد طعنوا في توحيدهم، وقد جعل الله عز وجل هاتين القضيتين قرينتان: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:٤٠]، فقضية العبادة لا يتقرب بها المسلم إلا إلى الله عز وجل، وكما أنه لا يصلى ولا يسجد إلا لله عز وجل فلا يحكم إلا شرع الله تبارك وتعالى، والفصل بينهما خلل في قضية التوحيد، إذاً فكانت قضية التوحيد هي قضية هؤلاء.