للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لماذا إهدار العاطفة؟]

يا فتاة إن الله عز وجل حكيم عليم، ما خلق شيئاً إلا لحكمة، ولا قضى قضاء إلا وفيه الخير علم ابن آدم أو جهل.

لقد شاء الله عز وجل بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة تتجاوب مع ما يثيرها لتنفجر رصيداً هائلاً من المشاعر والتي تصنع سلوكها أو توجهه، وحين تصاب الفتاة بالتعلق بفلان من الناس قرب أو بعد، فأيُّ هيام سيبلغ بها؟ فتاة تعشق رجلاً فتقبِّل شاشة التلفاز حين ترى صورته، أو أخرى تعشق صوته فتنتظره على أحر من الجمر لتشنف سمعها بحديثه، وحين تغيب عن ناظرها صورته، أو تفقد أذنها صوته يرتفع مؤشر القلق لديها، ويتعالى انزعاجها فقد غدا هو البلسم الشافي.

يا فتاة بعيداً عن تحريم ذلك وعمّا فيه من مخالفة شرعية، ماذا بقي في قلب الفتاة من حب لله ورسوله، ومن حب للصالحين بحب الله؟ ماذا بقي لتلاوة كلام الله عز وجل والتلذذ به؟ أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من الجمر، ومتى؟ في ثلث الليل الآخر وقت النزول الإلهي، فأين هي من التلذذ بمناجاة الله عز وجل والانطراح بين يديه؟ بل أين هي من مصالح دنياها، فهي على أتم الاستعداد أن تتخلف عن الدراسة من أجل أمر واحد، هو اللقاء به، إنها على أتم الاستعداد أن تُهمل شئون منزلها من أجل مطلب تافه، هو مطلب الإفاضة في سماع صوته والحديث معه، بل وما بالها تعيش هذا الجحيم والأسى فيبقى قلبها نهباً للعواطف المتناقضة والمشاعر المتضاربة.

فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل حال مخافة فرقة أو لاشتياق فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير والحب والوفاء للوالدين، إن هذه المشاعر والتي تهدر لفلان من الناس لا بد أن تكون حتماً على حساب ما يحتاجه أبناؤها، فحين تُرزق الأبناء فلن تجد بعد ذلك رصيداً من العواطف تصرفه لهم فينشئون نشأة شاذة ويتربون تربية نشازاً.

يا فتاة العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيداً في التصرف فيه حتى لا يفقده حين يحتاجه، فما بالكِ تهدرين هذه العواطف والمشاعر فتصرفيها في غير مصرفها وهي لا تقارن بالمال، ولا تقاس بالدنيا؟ يا فتاة لقد خصك الله سبحانه بهذه العاطفة وهذا الحنان وهذه الرقة وهذا التجاوب مع هذه المشاعر لحكمة يريدها سبحانه وتعالى، ليبقى هذا رصيداً يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء الحياة والاستقرار والأنس، ليبقى رصيداً يدر على الأبناء الصالحين حتى ينشئوا نشأة صالحة، فما بالكِ تهدرين هذه العواطف لتجنين أنتِ وحدكِ الشقاء في الدنيا؟ فتارة تشتاقين إلى اللقاء، وأخرى تبكين خوف الفراق والأسى، وأخيراً تضعين يدكِ على قلبكِ خوف النهاية والفضيحة، خوف هذه النهاية المؤلمة التي أهدرتِ عواطفكِ، وأهدرتِ أعز ما تملكين من أجل أن تصلي إليها، أعرفتِ الثمن الباهض، الذي تدفعينه حين تصرفين هذه العاطفة في غير مصرفها الشرعي؟