وهناك سلوك رابع خاطئ في تعامل المسلمين مع هذه القضية، وهو إفراز لشعور المسلمين أن هذا الواقع لا يمكن أن يتغير، ذلكم هو الوهم الذي سيطر على المسلمين: وهو أن حل قضيتهم في انتظار البطل القادم الذي يأتي ويحل مشاكل المسلمين.
ولهذا فالمسلمون دائماً يتساءلون ويقولون: أين ابن تيمية؟ أين صلاح الدين؟ أين خالد بن الوليد؟ وأين فلان وفلان من الناس؟ وكأن هؤلاء قد شعروا بأنهم غير قادرين على أن يصنعوا شيئاً ولا أن يتقدموا خطوة، وأن هذا الواقع الذي تعاني منه هذه الأمة لا يمكن أن يتغير إلا إذا جاء هذا الفارس الموهوب، والبطل القادم الذي ليس له وجود إلا في خيال أولئك القاعدين الناكسين، مما حدا بشاعر أن ينعى على هؤلاء ويسخر بهم قائلاً: وغاية الخشونة أن تندبوا قمْ يا صلاح الدين قمْ دعوا صلاح الدين في مرقده واحترموا سكونه.
فإنه لو قام بيننا حقاً ستقتلونه إن المسلمين وهم يعيشون مرارة الهزيمة، وهم يعيشون مرارة التخلف، وهم يعيشون البعد عن دين الله تبارك وتعالى تتطلع نفوسهم للتغيير والإصلاح، لكنهم لا يجرءون على أن يحملوا أنفسهم مسئولية ما آل إليه واقعهم، ومسئولية الإصلاح والتغيير بعد ذلك، فيستسلمون لهذه الأوهام، ويتطلعون إلى أن يأتي رجل من عالم الغيب يقود الأمة لتقوم، ولو جاء هذا الرجل فإنه ما لم يقم معه الناس، وما لم يكن الناس له أعواناً، ويكن له من الناس ظهير فإنه سيقول كما قال موسى:{إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}[المائدة:٢٥]، فحين تخلى قوم موسى عن موسى لم يكن ينفعهم، ولن يكن لينجيهم أنهم مع رسول من رسل الله من أولي العزم من الرسل، فلئن لم يتحقق ذلك لبني إسرائيل وهم مع نبي من أنبياء الله فإنه لن يتحقق لغيرهم وهم مع من هو دونه بكثير.
وأخيراً: قد يلجأ الناس إلى الهروب من التفكير في القضية أصلاً، فيهربون من التفكير في الواقع ومرارته، أو يهربون من المناقشة الصريحة في وسائل التغيير والإصلاح، ويصرفون القضية يمنة ويسرة، وهذا فرار من المسئولية، وتخلي عن التبعة لن يفيدهم شيئاً، ولن يغني عنهم شيئاً أمام الله تبارك وتعالى.
إذاً: هذه صور تعكس شعور المسلمين أن هذا الواقع الذي يعيشونه ضربة لازب، وأنه أمر حتمي لا يمكن أن يتغير.
إن فقهنا لهذه السنن يعني أن ندرك تمام الإدراك، ونوقن تمام اليقين أن هذا الواقع يمكن أن يتغير حين يريد الناس وحين يغير الناس ما بأنفسهم.