للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوازن ليس معناه التساوي]

والعنصر الأخير هو تنبيهات حول ما سبق الحديث فيه: أولاً: إننا حين ندعو إلى التوازن في التربية فندعو مثلاً الشاب إلى أن يكون له نصيب من العبادة والصلة بالله عز وجل والبعد عن الدنيا، ونصيب من العلم الشرعي، ونصيب من الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وإنكار المنكرات، ونصيب من أبواب الخير، فإن التوازن ليس مرادفاً للتساوي والتعادل، فإن الناس طاقات ومواهب وقدرات.

ثم إن الأمة الإسلامية تحتاج أبواباً كثيرة قد تؤدي وتدعو إلى أن يربى بعض الناس على جانب، وأن يعنى بعض الناس بجانب ويعنى الآخرون بجانب آخر، فحين ندعو إلى التوازن فإننا لا ندعو بالضرورة إلى أن تكون النسب متساوية تماماً ومتعادلة، إنما التوازن يعني ألا تكون -مثلاً- عبادة الإنسان على حساب عنايته بالعلم الشرعي، وألا يكون طلبه للعلم على حساب صلاح قلبه، أو على حساب دعوته، وقل مثل ذلك في سائر الجوانب.

ثانياً: أيضاًً هذا لا يعني إهمال التخصص، فالناس خلق لهم الله عز وجل عقولاً وقدرات، كما قال الإمام مالك: رب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصيام، ورب رجل فتح له في الصيام ولم يفتح له في الذكر، ورب رجل فتح له في العلم ولم يفتح له في الجهاد، وما أظن ما أنا عليه بخير مما أنت عليه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر.

قال هذا رحمه الله لذاك الذي أنكر عليه العناية بالعلم، ودعاه إلى التفرغ للعبادة، فلابد من التخصص، ولابد أن يعنى فلان بجانب من الجوانب، وقد يكون مثلاً على حساب غيره، لكن هذا التخصص ينبغي أن يكون بقدر لا يخرج المرء عن القدر المشترك الذي ينبغي أن يكون عند الناس جميعاً.

إذاً: -أيها الإخوة الكرام- إن التكامل والتوازن لا يعني إهمال التخصص، ولا يعني إهمال القدرات الشخصية التي قد يفوق فيها فلان من الناس غيره، ولا يعني أيضاً أن تكون هذه الأمور كلها بنسب متعادلة، لكن لا يليق مثلاً بمن اشتغل بالعلم والتعلم وصرف نفيس وقته لذلك أن يهمل جانب العبادة وحظه منها إهمالاً واسعاً بحيث يؤدي به إلى قسوة القلب، وأن يكون بعيداً عما ينبغي أن يكون عليه أهل العلم من سمت، وقل مثل ذلك في من يدعو إلى الله ومن يحتسب على إنكار المنكرات العامة، وأظن أن القضية واضحة لدى الإخوة.

هذا ما أردت الحديث عنه حول هذه القضية التربوية، وهي قضية التكامل والتوازن.

أسأل الله عز وجل أن يجعل الخير والبركة فيما قلنا، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.

إنه سميع قريب مجيب، وأترك بقية الوقت للإجابة على أسئلة الإخوة الكرام.