للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاهتمام بالناس]

ومن خلقه صلى الله عليه وسلم اهتمامه بالناس.

وهو أيضاً خلق عجيب! وقد دونت بعضاً مما رأيته في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت أن الأمر يطول حينما أردت أن أجمع شيئاً مما يدل على اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالناس ورعايته لهم، ومن ذلك مثلاً ما يرويه عثمان رضي الله عنه يقول: (إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإن أناساً يعلموني به عسى ألا يكون أحدهم رآه قط) رواه الإمام أحمد.

وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم حين ماتت امرأة تقم المسجد، فحقّر الناس شأنها وصلوا عليها ودفنوها بليل، فقال صلى الله عليه وسلم: (هلا آذنتموني) فيذهب صلى الله عليه وسلم فيصلي على قبرها.

وحين يمرض أعرابي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم إليه فيعوده، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم له: (لا بأس، طهور إن شاء الله، فقال له الأعرابي: ماذا قلت؟ فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم عليه، قال هذا الأعرابي: بل حُمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور، فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، فمات ذاك الرجل).

وحين مرض شاب غلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبه رمك أتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده وهو زيد بن أرقم رضي الله عنه الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم راوياً له ما قاله عبد الله بن أبي فقال له صلى الله عليه وسلم: (قد وفت أذنك يا غلام).

إنه صلى الله عليه وسلم لا يستنكف ولا يستكبر أن يعود هذا الغلام.

إنه صلى الله عليه وسلم يهتم بشأن خاصة أصحابه ويعتني بهم، ويهتم بشأن الأعراب، ويهتم بشأن الصبيان، ويهتم بشأن القريب والبعيد، بل يبلغ هذا الأمر عند النبي صلى الله عليه وسلم شأناً عجيباً، (كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً فدخل أبو بكر فلم يعدّل جلسته، ثم دخل عمر رضي الله عنه فكان كذلك، فلما دخل عثمان تهيأ صلى الله عليه وسلم، وعدّل جلسته، فقيل له في ذلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن عثمان رجل حيي فإني أخشى أن يراني على هذا فلا يبلغ حاجته).

انظروا إلى هذا القدر من رعايته واهتمامه صلى الله عليه وسلم بأمر الناس: تأتي امرأة في عقلها شيء فتأخذ بيده صلى الله عليه وسلم، فينطلق معها صلى الله عليه وسلم وتحدثه بحاجتها، وتأتي بريرة وقصتها مشهورة، وهي أمة فحين عتُقت كانت ذات زوج، فحين حدثها صلى الله عليه وسلم فقال لها: (ارجعي إلى زوجكِ قالت له: أنت شافع أم آمر؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: بل شافع، فتقول: لا حاجة لي فيه).

يهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر العبد وهو الذي يقود الأمة، ويواجه اليهود ويواجه غطفان، ويواجه قريشاً، ويواجه المنافقين، والأعراب من هنا وهناك، ويقضي بين الناس ويفتيهم ويعالج شئونهم وتعليمهم.

وفي الواقع أنك لو أردت أن تستكثر من هذه الشواهد لشعرت أن المقام يضيق بك، اقرأ سيرته صلى الله عليه وسلم وسنته، وانظر كيف كان صلى الله عليه وسلم يهتم بالناس ويعتني بهم، ولا شك أيها الإخوة أن هذا مما يؤثر على الناس، ويجعل الرجل يملك قلوبهم، فما أحوج طلبة العلم، وما أحوج الذين يتصدون للدعوة إلى الله تبارك وتعالى وإلى تعليم الناس أن يعتنوا بشأن الناس، والعناية بشأن الناس ولو بكلمة طيبة، أو اعتذار لطيف، أو حسن استقبال قد يكفي ويخلق من المودة في قلوب الناس الكثير الكثير، بل والمرء يفعل ذلك تديناً وحسن خلق قبل أن يفعله لأجل أن يكسب مودة الناس.

أشعر أيها الإخوة أن الحديث يطول، ولهذا أكتفي بهذا القدر، وأقتصر على هذه النقاط، وإن كانت هناك بعض النقاط التي دوّنتها وأردت الحديث حولها، لنترك بعض الوقت للإجابة على أسئلة الإخوة.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق فلا يهدي لأحسنها إلا هو تبارك وتعالى، وأن يصرف عنا سيئها إنه تبارك وتعالى سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.