[من الطاقات المعطلة بعض خطباء الجوامع]
طبقة أخرى أيضاً، وفئة أخرى من الطاقات المعطلة: بعض خطباء الجوامع: أقول: يا إخوة! خطبة الجمعة بحاجة إلى إعادة نظر، ولا شك أن هناك فئة من الخطباء لسنا نحن نتحدث عنهم ولا نقيمهم، بل أظن أن ثناءنا عليهم يعتبر غضاً من شأنهم، فهم أكبر من أن نثني عليهم، وأكبر من أن نشيد بدورهم، لكن البقية أين دورهم؟ فمثلاً هل هو وضع طبيعي أن يوجد في مدينة مثل مدينة الرياض عشرة خطباء أو خمسة عشر خطيب يجتمع الناس حولهم، والبقية الذين يتحدثون لسائر المسلمين ما شأنهم؟ وما دورهم؟ ولو نجحنا في توظيف خطباء الجوامع وحدهم فعلاً، وأصبح خطيب الجمعة يشعر بأن القضية أمانة مسئولية، وأن خطبة الجمعة تستمع إليها الملائكة، وأن خطبة الجمعة يجب على كل مسلم أن يسعى إليها، وأنه يجب عليه الإنصات، إنها أمر الله سبحانه وتعالى للمسلمين جميعاً بأن يسعوا إلى ذكر الله، وأن يسعوا ليسمعوا هذا الذكر.
لو كان كل خطيب يشعر بهذا الشعور، ويشعر بثقل الأمانة والمسئولية ويعتني بما يقدمه للناس لتغيرت الصورة.
ولمَ لم ينجح هؤلاء فعلاً في توظيف الناس في خدمة دين الله سبحانه وتعالى؟ لمَ لم ينجح هؤلاء في أن يتوب على أيديهم عدد كبير من العصاة؟ لما ترى الكثير مثلاً من هؤلاء الخطباء عندما يأتي لخطبته فكأن الخطبة جبل ثقيل يريد أن يتخلص منه، فيجمع النصوص من هنا وهناك، مجموعة أحاديث، وبعض الآيات، وقال فلان وقال فلان من الناس، ويقرأ الخطبة، والجميع ينظر إلى ساعته ينتظر أن تنتهي هذه الخطبة ليغادر المسجد.
فمثلاً: هل هؤلاء الخطباء يعالجون قضايا الشباب وانحراف الشباب فعلاً بعمق؟ سبق أن أجريت دراسة لمجموعة من الشباب، فكان ٧٥% منهم يرى أنه لا يستفيد من خطبة الجمعة، ويرى أن خطبة الجمعة لا تدعوه إلى الالتزام والاستقامة، يعني: أنها لا تعالج قضايا الشباب.
وأنا أجزم أن خطيب الجمعة لو عالج مشكلة من مشاكل الشباب، لو عالج قضية مثلاً المعاكسات الهاتفية، وتحدث عنها فعلاً بعمق، وبعيداً عن العاطفة، وبعيداً عن أساليب الإثارة، وبعيداً عن مجرد استثارة العواطف، وتحدث عنها حديثاً علمياً، وبذل جهد فعلاً، وأحضر وقائع، لاستطاع أن يقنع الكثير من الناس، وأن يقنع الآباء والفتيات والشباب.
ولو تحدث للشباب بمنطق العقل، ومنطق الإقناع عن النهاية لطريق الشهوات والسير وراءها، وتحدث عن الضريبة التي يدفعها هؤلاء عندما يسيرون في طريق الغواية، ولو تحدث عن كثير من هذه الأمراض، وأنا لا أريد أن تكون خطب الخطيب بهذا الشكل، أنا أريد من خطيب الجمعة أن يخصص له خطبة في الشهر أو كل شهرين يهتم فيها بقضية من قضايا المجتمع، ومشكلة من مشاكل المجتمع فإن الناس جميعاً يخرجون وهم يشعرون أن القضية تعنيهم، ويشعرون أن الخطيب قدم لهم شيئاً جديداً.
فيجتهد الخطيب ويقرأ، ويطلع، ويتابع الدراسات والإحصائيات، ويتابع ما يطرح في الصحف، ويستطلع آراء الناس ويستفيد، ويجمع من هنا وهناك، ثم يقدم مادة جيدة للناس، لو أن الخطباء سلكوا هذا الأسلوب وهذا المنهج، وصار عندهم عمق في طرح هذه القضايا لصنعوا الشيء الكثير.
وليس عيباً أيها الإخوة! ليس عيباً أن يقول الشاب: أنا ما عندي قدرة على خطابة الجمعة، فليس المؤهل كي تكون إمام جامع أن تكون مجرد شاب ملتزم، ليس صحيحاً أن كل شاب ملتزم يكون خطيباً، بل أحياناً ليس كل طالب علم مؤهلاً لأن يكون خطيب جمعة.
فالخطابة لها مواصفات معينة، فما الذي يمنع الإنسان أن يقول: والله هذا المكان ليس لي، وأنا غير مؤهل لأن أتولى خطابة الجمعة، ويتولاها من هو خير مني.
ثم افترض أنك توليت الخطابة، فما الذي يمنعك أنك تستعين بأحد الناس الذين عندهم قدرات؟ فإذا كان هناك شخص مثلاً تعرف أنه ليس خطيب جمعة، فتطلب منه يوم من الأيام أن يقدم خطبة، وأنت مستهلك فحتى لو كنت أكثر منه طاقة فالناس قد سمعوا كل ما عندك، فعندما يأتي هذا الرجل فإنه يستطيع أن يقدم لهم شيئاً كثيراً بجهد قليل؛ نظراً لأنه لأول مرة يقف أمامهم.
فما الذي يمنع خطيب الجمعة أن يدعو فلاناً من الناس ويقول: أريدك أن تقدم خطبة للناس؟ وما الذي يمنعه أن يتقدم إلى فلان أو فلان من الناس ويقول: أريد أن أخطب في هذا الموضوع، فأعطني بعض العناصر، وأعطني بعض الأفكار، ويسترشد بآراء الغير؟ وأنا لا أدعو الخطيب إلى أن يسلك هذا الأسلوب في كل خطبة؛ فهذا أمر يصعب عليه، لكن أقول مثلاً: ليجعل خطبة واحدة في الشهر، أو خطبة كل شهرين يعتني بها هذه العناية.
والأصل يا إخوة! أن يكون خطباء الجوامع كلهم فعلاً يسيرون وراء هذا المنهج، لكن عندما يكون الخطباء المشهورون يأتي الناس إليهم، والذين لم يصلوا معهم سيسمعون الأشرطة التي تطرح في التسجيلات، لكن أريد من يخاطب الناس الذين لا يصلون إلا الجمعة، أريد من يخاطب الناس الذين لا يسمعون الخطب والمحاضرات وإنما يسمعون أشرطة الغناء الساقط، وإنما يتابعون الأفلام الساقطة، فأحدهم يأتي لصلاة الجمعة نظراً لأنه ملزم أن يحضر خطبة الجمعة، فأريد من يخاطب هؤلاء، فهذا لا يبحث عن فلان وفلان