[أساليب تربية الأبناء]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد: فعنوان هذا الدرس: يا أبت، وهو الدرس السادس عشر من هذه الدروس التربوية، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيها الخير والبركة.
اعتدنا أن نسمع كثيراً -معشر الإخوة- في مجالسنا أن أبناء هذا الزمان قد تغيروا، وأن أبناء هذا الزمان يختلفون عن سابقيهم، وقد كان الأبناء سابقاً كذا وكانوا كذا، لكننا لم نسمع يوماً من الأيام أن آباء هذا الزمان قد تغيروا، ولست أريد أن أستبق الأحداث فأصدر حكماً: من الذي يتحمل المسئولية الكبرى والأساس، ولكن لا أشك أنه من الظلم ومن المجازفة ومجانبة العدل: أن نتحدث عن الأبناء، وعن تغير الأبناء، وعن تغير شباب هذا الزمان، الذين تغيرت أخلاقهم وعباداتهم، ولم يستطيعوا أن يتعاملوا مع الناس، وصاروا يميلون إلى اللهو واللعب إلى غير ذلك من هذا الكلام الذي يردد كثيراً في المجالس، لكننا نحتاج -ومعذرة- إلى أن نقول: آباء هذا الزمان قد تغيروا أيضاً.
وها هنا وقفات قبل أن نبدأ هذا الحديث: أولاً: إن الحديث عن الآباء لا يعني أن نضعهم في قفص الاتهام أو قاعة المحاكمة، أو أن نواجه الأب بقائمة طويلة من التهم والأخطاء التربوية، إنما القضية ابتداءً وانتهاءً محاولة للوصول إلى وضع أفضل، ومستوىً أعلى في التربية.
ثانياً: لن نتحدث في هذه الدقائق عن نظرية تربوية شاملة، ولا عن أسس تربية الابن؛ لأن هذا قد يضيق عنه هذا الوقت، ولن نتحدث عن أهمية تربية الأبناء فهي مرحلة أحسب أنا قد تجاوزناها، أو أن الكثير قد تجاوزها، وصارت الحاجة إلى معالجة أساليب التربية والغوص فيها، فقد أدرك الجميع من جراء أخطائهم أو من جراء ما يسمعون ضرورة التربية وأهمية تربية الأبناء، إنما المقصود في هذه المحاضرة هو إلقاء الضوء على بعض التصرفات الخاطئة التي تقع من الآباء تجاه أبنائهم.
ثالثاً: الكثير من الآباء يدرك مسئولية التربية، وخطورة إهمال الابن، ومصطلح تربية الأبناء مصطلح واضح له دلالة محددة عند الجميع، وإن كانوا يختلفون في فهمها، وإن كانوا يختلفون في تفسيرها، وإن ما ينبغي أن نعيده هنا أن مجرد إدراك أهمية تربية الأبناء، أو ضرورة تربية الأبناء لا يعني بالضرورة الوصول إلى الطريق الصحيح، ولا حتى إلى جزء من الطريق الصحيح، فكم نرى ممن يمارس قتل المعاني التربوية في ابنه، ويقتل شخصية ابنه بكل ما فيها، بل نراه يكون سبباً مباشراً في انحراف ابنه وغوايته، كل هذا بحجة التربية، وأن التربية تقتضي ذلك.
رابعاً: إن هذا الحديث لا يعني أن الأب هو وحده المسئول الأول والأخير، ولا يعني كذلك أن نقف موقف المحامي عن الابن، وإنما الأب بدون شك يتحمل جزءاً من المسئولية، ولا يعني أيضاً كونه لا يعنينا من الذي يتحمل الجزء الأكبر من المسئولية: أهو الأب أم هو الابن؟ وهي قضية أحسب أنها قضية جدلية فلسفية أكثر من أن تكون قضية عملية.
ونحن ينبغي أن نكون عمليين، وأن نطرح ما نحتاج إليه، فالنقاش الطويل فيمن الذي يتحمل الجزء الأكبر من المسئولية أهو الأب أم الابن؟ أتصور أنه نقاش جدلي فلسفي لن يترتب عليه كثير عمل، وإنما السؤال الذي يجب أن نطرحه ونطرحه بجد ووضوح هو: ما الأخطاء التي يقع فيها الآباء؟ وما الأخطاء التي يقع فيها الأبناء؟ وما الدور المرتقب من الآباء والدور المرتقب من الأبناء؟ أتصور أن مثل هذا الطرح لهذا السؤال هو الذي قد يوصلنا إلى نتيجة عملية، وخطوة إيجابية.
خامساً: إن حديثنا هنا لا يعني أن هذا شأن الجميع، وأسلوب الكافة، بل هناك من يجيد التربية، ويحسن التوجيه، وهو مثال للأب الواعي.
سادساً: سرد هذه الأخطاء لا يعني أيضاً أن كل أب يحوي هذه الأخطاء جميعاً، فالأول له نصيب من هذا الخطأ، والثاني له نصيب آخر، والثالث كذلك، وهم بين مستقل ومستكثر، بل لعل هذه الأخطاء قد لا تجتمع في أب واحد، ومن ثم فإنك أخي الأب حين تعرض هذه القائمة على نفسك، فتفتقد منها عناصر كثيرة، لا يعني بالضرورة أنك قد بلغت الغاية في التربية، فافتقاد عنصر أو آخر أو ثالث أو رابع غاية ما فيه أنها عقبة اجتزتها وتجاوزتها، وبقيت أمامك عقبات عدة.
وكمحاولة للتجديد في صياغة الموضوع أردت أن أصوغ الموضوع على شكل رسالة يبعثها ابن إلى أبيه، ويحدثه عن بعض الأخطاء التربوية التي يرى أن والده كان يقع فيها تجاهه، ويبدأ الابن رسالته كالتالي، وأقول قبل أن أبدأ الرسالة: إنني عندما أتحدث هذا الحديث فإنها ليست رسالة أوجهها إلى أبي رحمه الله؛ فقد فقدته صغيراً، ولو رأيته لما عرفته، فلا يعني هذا الحديث أني أوجه الرسالة إلى أبي، أسأل الله أن يغفر له ويرحمه، ويعينني على ما بقي من بره، إنما أتخيل ابناً من الأبناء، أو شاباً من الشباب يريد أن يبعث رسالة إلى والده يحدثه فيها عن بعض الأخطاء التربوية: