الوقفة الرابعة حول النحر: يقول الله عز وجل تعقيباً على آيات النحر: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}[الحج:٣٧].
إن القضية ليست بالمظهر ولا بالمظاهر، إنما هي بالمضمون والمقصود، إن هذه اللحوم والدماء لن ينال الله عز وجل منها خيراً وهو سبحانه المستغني عن خلقه، وهو سبحانه وتعالى أغنى عن الشرك وأغنى عن خلقه، وأنى له سبحانه وتعالى أن يحتاج أو يفتقر إلى غيره، هذا إشعار للمسلمين أن يعتنوا بالحقيقة والمضمون دون المظاهر، وإنك حين تتأمل في واقع المسلمين ترى أن المظهرية قد سيطرت على حياتهم، إنك تراه يصلي ويعتني بأداء الركوع والخشوع، لكن جوهر الصلاة وحقيقتها في واد آخر، فهو في واد وهذا في واد آخر، إنك ترى المظاهر قد أصبحت تخدع المسلمين وتسيّرهم، وهكذا صارت تسيطر على حياتهم، فأنت ترى الأستاذ في ميدان التعليم يُرى أن نجاحه في أن يُكمل هذا الكتاب كله دون أن يترك منه سطراً، أن يكتب كتابة واضحة على السبورة، أن يستعمل وسائل الإيضاح، أن يُعنى بكراسة التحضير ورصد الدرجات، أما ما وراء ذلك وأهم منه بناء الجيل وإعداده وتعليمه فهو شأن آخر، أليس هذا مظهراً من مظاهر عناية الأمة بالمظهرية وغياب المضمون عنها؟ وهو تراه سلوكاً يسيطر على المسلمين في حياتهم كلها وفي عبادتهم، إن في هذا إثارة وإلماحاً لهذه الأمة أن تُعنى بالحقائق وأن لا تكون أمة تُخدع بالمظاهر.