الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد.
فهذه هي أول ليلة من هذا الشهر الحرام شهر ذي القعدة، ونحن نستقبل جميعاً وإياكم موسماً عظيماً، وأياماً فاضلة من أيام الله سبحانه وتعالى، تلك الأيام التي فضلها الله عز وجل على سائر الأيام، فما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام، أي عشر ذي الحجة، وأفضل عمل صالح يؤدى في هذه الأيام هو الحج إلى بيت الله الحرام، ومن ثم أحببنا أن نقف في هذه الأمسية وفي هذا الدرس حول بعض المعاني المتعلقة بهذه الشعيرة العظيمة، ولهذا أقترح أن يكون عنوان هذا الدرس: لبيك اللهم لبيك، وهو لا يخرج عن العنوان المعلن فهي وصايا هامة.
في هذا الدرس -معشر الإخوة الكرام- لن أتحدث عن أحكام الحج، ولن أتحدث عن آدابه، ولا عما ينبغي أن يفعله الحاج، أو عن الأخطاء التي يقع فيها الحجاج، وهي جوانب مهمة ولا شك ونحتاج إلى الحديث عنها كثيراً، وحين أختار ألا أتحدث عنها فإن هذا لا يعني بحال أني أرى أن ما أقوله هو أولى من ذلك، ولكني أردت أن أطوف وإياكم في هذه الأمسية حول واقع المسلمين الذين يفدون إلى بيت الله الحرام لنأخذ بعض الدروس وبعض الوقفات التي نتأمل فيها واقعنا جميعاً وخاصة واقع أولئك الحجاج الذين يلبون نداء الله عز وجل، ويأتون إلى هذا البيت ملبين مهلين، وأول قضية نقف عندها هي وقفات حول التلبية.
الوقفة الأولى: ما إن يخلع الحاج ملابسه ويرتدي ملابس الإحرام حتى يجهر بهذا النداء وهذا الذكر: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
إنه يعلن استجابته لله عز وجل استجابة بعد استجابة، يعلن استجابته لنداء الله سبحانه وتعالى ولأمره، ويكرر هذا ويصدح به على رءوس الملأ، ويتعبد إلى الله عز وجل بهذا الذكر، لكنك حين ترقب هذا الذي يلبي في سائر حياته ترى له شأناً آخر مع حدود الله عز وجل، إنه يتجرأ على أن يتجاوز حدود الله عز وجل، ويتجرأ على أن يخالف أوامر الله سبحانه وتعالى، إنه يرى الأمر واضحاً أمامه مما أمر الله عز وجل به وافترضه عليه، ومع ذلك يترك هذا العمل عن عمد وسبق إصرار، وهو أيضاً يرى الأمر مما نهاه الله عز وجل عنه وحذره منه وتوعده عليه بأليم العقاب، ومع ذلك يتجرأ على مخالفة أمر الله عز وجل وعلى انتهاك حدوده، فأين تلك الاستجابة التي كان يعلنها وهو يقول: لبيك اللهم لبيك؟ أين ذاك الخضوع الذي لم يكتف بأن يكون سراً في نفسه حتى جهر به وأعلنه على رءوس الملأ استجابة لله عز وجل بعد استجابة، وخضوعاً لله سبحانه وتعالى بعد خضوع؟ إنه لو تأمل هذا المعنى لعاد به ذلك كثيراً ولفكر ملياً وهو يجهر بهذا الدعاء وهذا الذكر، ولعادت به الذاكرة إلى حياته تلك التي يسطرها بالصفحات المخالفة لأمر الله عز وجل، إن هذا الدافع الذي يدعوه إلى إعلان الاستجابة لأمر الله عز وجل على رءوس الخلائق ينبغي أن يدفعه للاستجابة لأوامر الله عز وجل ونواهيه في سائر حياته.