[السحر والكهانة]
الأمر الثالث وهو متعلق بالفقرة السابقة: انتشار السحر والكهانة في كثير من بلاد المسلمين، وهؤلاء السحرة والكهنة والعرّافون الذين يدعون علم الغيب، ويقولون إنهم يعالجون الناس بأنواع من العلاجات، هؤلاء كثروا لا كثّرهم الله تعالى.
وينبغي أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦] هذه الآية جاءت خبراً عن الناس في الجاهلية، فإن العرب كانوا في الجاهلية يخافون من الجن خوفاً شديداً، حتى أن الواحد منهم إذا نزل وادياً وهو في سفر خاف من الجن في هذا الوادي، فماذا يصنع؟ يتعوذ من سفهاء هذا الوادي بسيد هذا الوادي من الجن، فإذا نزل قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فماذا فعلت الشياطين؟ لما رأت الشياطين أن هؤلاء يخافون منهم هذا الخوف تسلطوا عليهم فزادوهم رهقاً وتعباً وطغياناً.
تعالوا إلى الحالة اليوم لما أن الناس ضعف إيمانهم تعلقت نفوسهم بغير الله سبحانه وتعالى، وصاروا يخافون من غير الله تبارك وتعالى، فماذا حدث؟ تسلطت الشياطين، وتسلط السحرة وكثروا، وصاروا يفتنون الناس، وزادوهم تعباً ومشقة ورهقاً.
وهذا أيها الإخوة في الله أمر خطير جداً يجب أن ينتبه له الجميع، والواجب في مثل هؤلاء السحرة أن يقام فيهم حكم الله سبحانه وتعالى وهو كفر على القول الراجح؛ لأن الله تعالى يقول: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:١٠٢] إلى آخر الآية، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن نعلم أن هؤلاء يجب أن يُحذر منهم الحذر الشديد، فهؤلاء السحرة يدّعون علم الغيب، وادعاؤهم لعلم الغيب هو ادعاء كاذب؛ لأن الله تعالى يقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:٦٥] فلا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له.
إذاً: كيف يدّعون؟ عن طريق الشياطين، حينما يأتي ضعيف من ضعفاء النفوس عنده مريض فيقال له: هناك رجل يعالج في المكان الفلاني فاذهب إليه، وهذا الرجل ساحر، فتأتي الشياطين إلى ذلك الساحر وتخبره، وتقول له: سيأتيك فلان اسمه فلان ابن فلان، وأمه اسمها فلانة، وخالته اسمها فلانة، وجرى له قبل عشرة أيام كذا، وقبل سنة كذا؛ فيدخل هذا المسكين على هذا الساحر، فإذا دخل عليه وجلس بين يديه، قال: أنت اسمك فلان ابن فلان؟ جرى لك كذا وكذا؟ جدك اسمه كذا؟ جرى لكم كذا؟ فإذا بهذا الإنسان يُدهش ويسقط بين يديه، ويظن أن هذا الساحر قد امتلك قدرة عظيمة منها علم هذه المغيبات؛ لأنه قد يخبره بأشياء لا يعلمها أقرب الناس إليه، بل حتى جيرانه وبعض أقاربه لا يعلم هذا، فكيف علمها هذا الرجل الذي يعيش في تلك البلدة النائية؟ ولقد حدثني أحدهم وكان مريضاً قال: ذُكر لي طبيب في إيطاليا، فذهبت إليه للعلاج في إيطاليا، فلما دخلت عليه أخبرني من أسرار أسرتنا ما لا يعلمه أحد، أقول: فمن الذي أخبر هذا الساحر الكاهن في روما؟ إن الذي أخبره هي الشياطين.
فهؤلاء السحرة يدّعون علم الغيب، ويستعينون بالشياطين، ولا يستعينون بهم إلا حينما يقعون في الشرك ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن ثم فإنك تجدهم أحياناً يطلبون من الشخص أن يذبح ذبيحة ولا يذكر اسم الله عليها؛ لتكون ذبيحة لغير الله، وهذا هو الشرك.
فينبغي أيها الإخوة أن ننتبه لهذه القضية، وأن هؤلاء السحرة الذين انتشروا وبلي الناس بهم يجب أن يقام فيهم حكم الله سبحانه وتعالى، فيجب أولاً أن يحذّر منهم، ثم يجب ثانياً أن يردعوا عملياً وأن يقام فيهم حكم الله سبحانه وتعالى، فإذا أقيم فيهم حكم الله وهو القتل فإن هؤلاء يرتدعون ويسلم الناس من شرهم، أما إذا تُركوا يعبثون بعقائد الناس فهذا ما لا يجوز السكوت عليه أبداً، ومن المحزن حقاً أن مثل هؤلاء السحرة لهم نفوذ حتى يقال إن كثيراً من زعماء العالم لكل واحد منهم كاهن وساحر يخبره عمّا يجري عليه وعمّا يمكن أن يجري ويقع، وتتعلق نفوس هؤلاء الكبراء بهؤلاء السحرة ويؤدي هذا إلى حمايتهم.
والواجب أيها الإخوة أن نحذر من ذلك حذراً شديداً، وكثير من الناس يقع في شيء من هذا، ومن ذلك أن بعض الناس يذبح للجن خوفاً منهم أو تقرباً إليهم، حتى أنني سمعت من ذلك نماذج غريبة جداً حتى أخبرني أحد الإخوة أنه سمع إحدى الإذاعات العربية تقول: ذهب أمير المنطقة الفلانية إلى مزار سيدي فلان، وكان معه الأبقار وذبحوها عند قبر السيد وكأنه خبر إسلامي، وكأن هذا الخبر من الأمور المسلّمة عندهم، وهذا أمر خطير جداً.
ومن ذلك أيضاً أنني أُخبرت أن بعض الناس إذا أراد أن ينزل منزلاً جديداً يذبح ذبيحة وينثر دمها على أسوار البيت، وأحياناً ينثر دمها على أسوار البيت أيضاً من الداخل ويظن أنه إذا سكن البيت دون أن يذبح هذه الذبيحة ربما أُصيب هو أو أولاده بما يمكن