[إدراك أهمية الوقت والشح به]
الاقتراح الأول لاغتنام الوقت: إدراك أهمية الوقت والشح به: فالذي لا يدرك أهمية الوقت لا يمكن أن يغتنمه، فعلى سبيل المثال: من ليس عنده عمل فهو في فراغ أربع وعشرين ساعة فلو أتيت إلى أحد الشباب الفارغين، وقلت له: الآن أمامك يا أخي وقت فراغ لمدة ساعة أو نصف ساعة ينبغي أن تستغله أو تغتنمه، فإنه لا يعرف أهمية هذا الكلام، ويشعر أن هذا الكلام غير معقول؛ لأنه أصلاً لا يدرك أهمية الوقت، فليس عنده مشكلة في أن يجلس للحديث مع زملائه من بعد العصر إلى وقت متأخر من الليل ويعود بعد ذلك وهو لا يشعر أنه خسر شيئاً، أو أضاعه، أو أن هناك أي خسارة تحققت من وراء ذلك.
هذا يجب أن نقنعه بأهمية الوقت قبل أن نتحدث عن كيفية استغلاله.
إذاً: يجب أن نقتنع ابتداءً بأن الوقت مهم، وإذا لم نقتنع أن الوقت بهذا القدر من الأهمية فلا يمكن أن ننجح في جميع الخطوات التي تأتي، وأن نكون شحيحين بالوقت.
ومن الأمور التي تجعلك تدرك أهمية الوقت: أن تدرك أن اليوم لا يمكن أبداً أن يزيد على أربع وعشرين ساعة، ولا الأسبوع على مائة وثمان وستين ساعة، ولا السنة على ثمانية آلاف وسبعمائة وست وستين ساعة، أي أن هناك ساعات محددة لا تزيد ولا تنقص للسنة والشهر واليوم.
ثم أيضاً إذا مضت ساعة فهذا يعني أن هناك ساعة من عمرك انتهت، وأنك ابتعدت عن الدنيا ساعة، واقتربت إلى الآخرة ساعة، وهذه الساعة لا يمكن أن تعود.
وحينما نتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها)، فإذا كان أهل الجنة يتحسرون على ساعة لم يغتنموها في ذكر الله عز وجل؛ حتى يكون ذلك رفعة في درجاتهم، فكيف بمن لم يضمن الجنة؟! ويقول الحسن رحمه الله: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على دراهمكم ودنانيركم.
وهذه لغة لا يفهمها كثير من الناس، فأنت تستطيع أن توفر جزءاً من وقتك بدراهمك ودنانيرك، والدراهم والدنانير تذهب وتعود، لكن الوقت يذهب ولا يعود.
مثلاً: البعض من الناس عندما يريد أن يشتري أي غرض من الأغراض يفضل أن يذهب إلى سوق رئيس، فلو أراد أن يشتري مثلاً فاكهة، يفضل أن يذهب إلى سوق الخضار الرئيس، وهذا يتطلب منه بذل الكثير من الوقت في الذهاب والعودة، بينما يستطيع أن يشتري ذلك من مكان أقرب منه، وربما يزيد مبلغاً يسيراً من المال، لكنه يوفر بذلك الأمر الذي لا يمكن أن يوفره أبداً وهو الوقت.
وقل مثل ذلك في قضايا كثيرة، فالوسائل المعاصرة مثلاً يمكن أن تختصر كثيراً من الأمور فتوفر على الإنسان جزءاً من وقته، فهل نفكر هذا التفكير فنشتري الوقت بالدراهم والدنانير؟ وإذا تأمل الإنسان في الوقت وجد جزءاً كبيراً من الوقت يمضي في النوم، وجزءاً في الراحة، وجزءاً في الطعام، وجزءاً في التنقلات، ووجد أن الوقت الباقي له يسير جداً.
كما قال الأول: إذا كملت للمرء ستون حجة فلم يحظ من ستين إلا بسدسها ألم تر أن النصف بالنوم حاصل وتذهب أوقات المقيل بخمسها فتذهب أوقات الهموم بحصة وأوقات أوجاع تميت بمسنها فحاصل ما يبقى له سدس عمره ممكن أن نختلف نحن في النسبة، لكن افترض على أقل الاعتبارات أن الإنسان ينام ثمان ساعات، فإذا كان عمره ستين سنة، ذهبت في النوم عشرون سنة، أي أن ثلث وقته ذهب في النوم، ثم احسب بعد ذلك أوقات الراحة، وأوقات التنقلات وغيرها، ستجد أنه لم يبق له إلا الوقت اليسير، وهذا لا شك يدعوه إلى أن يحرص على اغتنام هذا الوقت اليسير، مع أنه إذا احتسب نومته، واتبع السنة في ذلك فإنه لا شك يؤجر على مثل هذا الوقت.
من الأمور المهمة التي تعين الإنسان على إدراك أهمية الوقت: هو أن يدرك أن الوقت الذي يضيع لا يمكن أن يعوض: بعض الناس ضاع عليه عصر هذا اليوم، فيقول: إن شاء الله أريد أن أعوض وأستغل عصر غداً، ويتصور أنه عوض هذا الوقت، وهذا الكلام غير صحيح، فإن الوقت الذي ضاع لا يمكن أن يعوض؛ لأن عصر الغد له واجب آخر.
ولهذا لما ثقل عمر بن عبد العزيز عن عمل قيل له: أخره إلى الغد، قال: إذا عجزت عن عمل يوم، فكيف إجمع علي عمل يومين؟! هؤلاء الذين يدركون الوقت حقيقة، ونحن بحاجة إلى أن نعود إلى سير أولئك ونقرأ فيها؛ لنعرف كيف كانوا يحرصون على اغتنام الأوقات.
عمر بن عبد العزيز رحمه الله يعتبر أن كل يوم له واجب معين، وله برنامج وأهداف يجب أن يحققها في هذا اليوم، إذا أخرت عمل اليوم فلا يعني أني سأقضيه في الغد، بل سيكون هذا على حساب الواجب الذي أقضيه في الغد.
ولهذا عندما تضيع علي موعداً، فليس صحيحاً أنك ستعوضني في المستقبل.
وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى هذا في المدارج فله كلام جميل حول الوقت، وحاصل ما قاله: أن الوقت هذا لا يمكن أن يعوض؛ لأن ما يستقبل من الوقت له واجب جديد لا يمكن أن تقضي فيه الواجب الذي قد فوته في هذا الوقت الذي ضيعته بالأمس.