أيضاً الحج يربي على الصلة بين أمور الدنيا والآخرة، والدنيا والآخرة لا تنفصلان في حس المسلم؛ ولهذا رغم أن الحج عبادة عظيمة، ورغم أن الناس يأتون إليه من كل فج عميق، يسافر الإنسان، يتخلص من كل شيء، يأتي، يتقرب إلى الله عز وجل، يذكر الله عز وجل، ومع ذلك يأتي في القرآن قول الله عز وجل:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة:١٩٨]، وهذه الآية نزلت في التجارة في موسم الحج، يأتي النص في القرآن على أنه ليس على الإنسان من جناح وهو حاج أن يمارس التجارة، هو حاج أن يبيع ويشتري، وهذا نلحظه عند بعض الشعوب المسلمة، حيث تجد من موسم الحج فرصة لتسويق بعض منتجاتها، وليس في هذا حرج، ما دام هذا في إطار المشروع، وهذا يؤصل قضية أن الدنيا والآخرة لا تنفصلان في حياة المسلم، أن الإقبال على الآخرة لا يعني أن يطلق الدنيا تماماً ويتخلى عنها، وأن سعيه للدنيا لا ينبغي أن يكون على حساب الآخرة.
نعم الإسلام يحث على الزهد في الدنيا، يحث على أن لا يتعلق الإنسان بالدنيا، لكنه لا يحث أحداً على أن يترك الدنيا، ولهذا قدر الله عز وجل لأنبيائه رغم أن الله عز وجل اختارهم لمهمة عظيمة، قدر الله عز وجل لأنبيائه أن يبذلوا جهدهم بأن يكسبوا رزقهم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ما من نبي إلى رعى الغنم)، والله عز وجل كان قادراً على أن يجعل هؤلاء أغنياء، وأن يحقق لهم الغناء بما يكفيهم عن أن يبحثوا عن أسباب ووسائل جلب الرزق، لكن هذا فيه تربية لهم، وتربية للأمة أن الدنيا والآخرة لا تنفصلان، وأن الإسلام دين لا يعارض سعي الناس لكسب الرزق، لا يعارض سعي الناس لتطوير حياتهم في المجال الاقتصادي، في المجال السياسي في المجال الاجتماعي، وهذا سيلزم منه أيضاً أن أحكام الإسلام وأن أحكام الدين سوف نجدها في كافة مرافق الحياة وتطبيقات الحياة، وهذا مما يتأصل من خلال مثل هذه العبادة التي هي عبادة عظيمة، وفيها جهاد، وتكفير سيئات، ومع ذلك لا حرج ولا جناح على الإنسان أن يبتغي فيها فضلاً من ربه، وأن يجعل أيضاً موسم الحج وسيلة لكسب الرزق المباح.