للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفات أهل العلم في القرآن]

الأمر الثالث: صفات أهل العلم في القرآن.

لقد جاء الحديث في كتاب الله تبارك وتعالى كثيراً عن الخشوع والتقوى ومخافة الله تبارك وتعالى، وهي صفات أولى من يتصف بها حملة العلم، وحملة كتاب الله تبارك وتعالى.

وهي آيات كثيرة، ولن نتحدث عن هذه الآيات، إنما أريد أن أشير إلى الآيات التي يربط فيها القرآن بين العلم وخشية الله تبارك وتعالى.

فما هي صفات أهل العلم في كتاب الله عز وجل؟ إنهم أولئك الذين يسجدون لله، ويخشعون ويبكون حين يسمعون آياته، كما قال تبارك وتعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:١٠٧ - ١٠٩].

إن هذا أيها الإخوة، ليس أمراً خاصاً بهذه الأمة، وليس هدياً خاصاً بها، بل هو شأن الذين أوتوا العلم في الأمم السابقة: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} [الإسراء:١٠٧].

هذه حالهم حين يسمعون آيات الله بتارك وتعالى، إن هذه الآيات ليست صفة للمتقين، وليست صفة للخاشعين، إنما هي صفات لأهل العلم.

ولهذا ينبغي أن يعنى طلاب العلم، وأهل العلم بتحقيق هذه الصفات في نفوسهم، لهذا قال عبد الأعلى التيمي رحمه الله: من أوتي من العلم مالا يبكيه، لخليق ألا يكون أوتي علماً ينفعه، لأن الله نعت العلماء ثم قرأ القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم} [الإسراء:١٠٧] {يَبْكُونَ} [الإسراء:١٠٩]، وهذا الأثر رواه الإمام الدارمي.

والعلماء هم أهل الخشية لله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].

والعلماء هم الذين يقنتون لله سجداً وقياما، ويحذرون عذابه ويرجون رحمته: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:٩].

فلنقف أيها الإخوة عند هذه الآيات، ونتمعن فيها، إنها صفات لأهل العلم، إنها صفات للذين يعملون.

إذاً فشرط أساس من شروط طالب العلم أن يتصف بهذه الصفات، وكما أن على طالب العلم أن يتعلم النحو والأصول والمعتقد والفقه، فعليه أن يتعلم الخشوع، وخشية ربه تبارك وتعالى، وإلا فإنه لا يتصف بصفات أهل العلم، وصفات طلاب العلم.

وأما ما جاء في القرآن من وصف المتقين والمؤمنين، والخاشعين وعباد الله الصالحين فأكثر من أن نحيط به في هذا المقام.

ولا شك أن أهل العلم أولى أن يتصفوا بتلك الصفات، لأنهم حملة كتاب الله عز وجل، والدعاة إلى كتاب الله، والله تبارك وتعالى أخبر أن هذا الكتاب آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم.

لكني آثرت هنا أن أقتصر على هذه الآيات التي يربط فيها القرآن بين الخشوع والخشية، وبين العلم بهذا المصطلح، حتى لا نرى أن هذا الأمر باب آخر غير باب العلم، وحتى نعلم وندرك أنه يجب علينا أن نتعلم هذا الباب، وأن نتعلم هذا العلم، وأن نعلمه في مدارسنا، وفي مساجدنا وفي حلقاتنا، وأن نرى أنه من واجبنا كما أن من واجبنا أن نعلم هذا الطالب مسائل الطهارة والصلاة والمعاملات وما يحل وما يحرم وأن نعلمه ما يجب أن يعتقده في ذات الله تبارك وتعالى، وأن نعلمه علوم الأدوات والوسائل وغيرها.

فيجب أن نعلمه الخشوع وتقوى الله تبارك وتعالى، كما نعلمه هذه المسائل.