[الخطأ في التعامل مع مسائل الاجتهاد]
الخطأ الثامن: الخطأ في التعامل مع مسائل الاجتهاد: وذلك أن هناك مسائل هي مسائل اجتهاد الأمر فيها سائغ، وقد اختلفت الأمة فيها، ولا يزال الخلاف فيها إلى أن تقوم الساعة، وحين نعمد إلى تخطئة الناس في هذه المسائل، وربما التشنيع والتغليظ عليهم فإن هذا منهج مرفوض.
وقد تحدث الأئمة عن ذلك في باب الإنكار، قال ابن قدامة: لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العمل بغير مذهبه، فإنه لا إنكار في المجتهدات.
وقال الإمام النووي، ثم العلماء لا ينكرون إلا ما أجمعت عليه الأمة، وأما المختلف فيه فلا إنكار فيه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: بل المجتهد المخطئ لا يجوز ذمه بإجماع المسلمين.
فما بالكم بما هو أعلى من الذم من الاتهام بالضلال والانحراف والخلل في المنهج، إلى غير ذلك، بحجة أنه خالف في مسألة من مسائل الاجتهاد! وقال أيضاً: مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه، ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه، والأقوال عن الأئمة في ذلك محفوظة مشهورة مدونة، أن مسائل الاجتهاد وهي التي ليس فيها دليل قاطع صريح من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسوغ أن ننكر على الناس فيها، ونخطئهم ونؤثمهم خاصة إذا انطلقوا من الاجتهاد، بل إننا نرى أن هناك من يحول بعض مسائل الاجتهاد إلى أصول وإلى منهج فيقيم الناس من خلاله ويضللهم ويخطئهم ويؤثمهم عليه.
ولنضرب على ذلك مثالاً حتى تكون الصورة واضحة: نحن مثلاً في هذا المركز الصيفي، يقوم بعض الإخوة العاملين في المراكز الصيفية ببعض الأنشطة المستحدثة المعاصرة والتي اختلف أهل العلم في مشروعيتها وعدم مشروعيتها، وعلى سبيل المثال مثلاً قضية التمثيل وغيره، ولا نريد أن نخوض في هذه المسائل، لكن أياً كان الرأي الذي نصل إليه، فهي مسائل اجتهاد ليس فيها نص صريح واضح يقطع بحرمتها وعدم مشروعيتها أو يقطع بالعكس، ولئن توصلت أنت إلى قناعة تامة أدت بك إلى أن لا تشك في أن قولك حق، فيجب أن تتصور أن هناك من أهل العلم الذين لا يقلون عنك علماً وورعاً قد قالوا بخلاف ذلك، وهذا لا يعني بالضرورة أن قولهم أصح من قولك، لكنه يعني أن القضية دائرة في مجال الاجتهاد، فلماذا تقام معارك حول هذه القضية، ونجعل هذه القضية من المنهج الثابت للدعوة، بل لمستوى أن تجد من يجعل أن من منهج الدعوة تحريم التمثيل، أو يعتبر بعض الناس عندهم خلل في منهج الدعوة وذلك أنهم يقعون في التمثيل، يعني إذا قررت أنها خطأ فضعها في حجمها الطبيعي، وافترض مثلاً أنه آثم، مع أننا لا نرى أنه آثم ما دام مستنداً على اجتهاد وفتوى لأحد من أهل العلم في مثل هذه المسألة، فغاية ما عنده أنه مجتهد مخطئ، لكن حتى لو قررت أنه آثم فهل يعني أنه صار منحرفاً ضالاً، وصار عنده خلل في المنهج، وينبغي منابذته وهجره، وأنه لا يمكن أن يصلح الأمة ولا يمكن أن يفعل خيراً إلى غير ذلك.
بل هناك من يشن حرباً على بعض هذه الأنشطة ولو ناقشته وجدت أن السبب هو هذه القضية وقل مثل ذلك في قضايا أخرى، وكلها ناشئة عن ضيق العطن حول مسائل الاجتهاد وحول التعامل معها، فقد يبحث البعض مثلاً مسألة من مسائل الاجتهاد، ويستقصي أدلتها فيتضح له أن الأدلة الشرعية تدل على هذا القول، فمن حقه أن يصل إلى هذه القناعة أو يتبنى هذا الرأي أو يعلنه للناس.
فقد يبحث البعض مثلاً مسألة من مسائل الاجتهاد ويستقصي أدلتها، فيتضح له أن الأدلة الشرعية تدل إلى هذا القول، فمن حقه أن يصل إلى هذه القناعة أو يتبنى هذا الرأي أو يعلنه للناس، لكن ليس من حقه أن يصادر اجتهادات الآخرين وأن يسفه قناعاتهم بحجة أن هذا هو مقتضى الكتاب والسنة، وهو ما تؤيده الأدلة الشرعية، فالمعرض عنه معرض عن الكتاب والسنة، والرافض له رافض لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إما مقلد أو صاحب هوى، وكم تقذف لنا المطابع ودور النشر من كتاب يبحث مسألة من مسائل الاجتهاد، والتي اختلف السلف فيها، ولكل قول مرجح من الأئمة المعتبرين، فتقرأ في مقدمة الكتاب أو البحث أن هذا البحث جاء ليضع النقاط على الحروف في هذه المسألة المعضلة والتي كثر الجدل حولها وطال، ويبحث صاحبنا فيجير كل القواعد الحديثية والفقهية والأصولية لصالح ما توصل إليه.
ونحن لا نعترض على بحث هذه المسائل والاستقصاء فيها ونقاشها، لكن أن يصور الباحث للناس أن هذا البحث جاء ليقطع في هذه المسألة، ويضع النقاط على الحروف، ويستخدم كل القواعد الأصولية والفقهية، وكل قواعد مصطلح الحديث لتؤيد قوله في هذه المسألة التي اختلفت فيها الأمة من قبل، فأظن أن هذا منهج مرفوض.
نعم.
من حقك أن تقضي ساعات طويلة في تقرير قولك، بل تؤلف وتناظر عليه، لكن ينبغي أن تحترم اجتهادات الآخرين، وينبغي أن ترى أنه مع ذلك لا تزال هذه المسألة مسألة اجتهاد.
وقد نرى الصورة تتكرر في مجال آخر، فقد يأتي بعض الناس إلى تحقيق كتاب لأحد الأئمة، ويرجح الإمام ابن القيم أو غيره قولاً في مسأ