للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستقامة في وسط يحتقر الدين والتدين]

ثانياً: من إيجابيات ومنجزات هذا الجيل المبارك استقامتهم على الدين في وسط يحتقر الدين والتدين.

إن العالم الإسلامي اليوم قد فتن بصورة من صور الردة عافانا الله وإياكم، صورة احتقار الدين واحتقار المتدينين، حتى أصبح البعض من المسلمين يستحيي حين يصلي مع أقرانه، يستحيي حين يعمل طاعة من الطاعات، يستحيي حين يمتنع عن معصية من المعاصي.

ولئن تفاوتت الدرجات أو الدركات حول هذه الخطيئة التي عمت بلاد المسلمين فإن مجتمعات المسلمين تشترك في أن لها نصيباً وافراً من احتقار الدين وأهل الديانة والتدين، ووصفهم بأقبح الأوصاف وأحطها، واتهامهم بهذه التهم، ومع ذلك يسير هؤلاء الشباب ويستقيمون على طاعة الله تبارك وتعالى، ويحتملون ما يواجهونه من احتقار الناس، ولعلهم من أسعد الناس بقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:١٠٩ - ١١١].

وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [المطففين:٢٩ - ٣٥].

وقد دأب أهل العلم على أن يحتجوا -كما قال ابن عبد البر - بما نزل من الآيات في الكفار على من تشبه بأعمالهم ولو كان من المسلمين.

أيها الشباب المبارك! لا يهولنكم سخرية الناس بكم ما دمتم تعتزون بدين الله تبارك وتعالى، لقد أخبر الله عز وجل عن طائفة من المنافقين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات، فقال الله تبارك وتعالى عنهم: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:٧٩].

وأخبر تبارك وتعالى عن حال أولئك الذين يقولون لشياطينهم: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:١٤] فقال تبارك وتعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:١٥].

أي منزلةٍ أعلى وأكمل من أن يسخر الله تبارك وتعالى بأولئك الذين يسخرون بعباده الصالحين، أن يستهزئ بأولئك الذين يستهزئون بهم، وأي خسارة وبوار لمن يتعرضون لسخرية الجبار وأن يستهزئ بهم تبارك وتعالى.

إن استقامة هؤلاء الشباب وثباتهم في هذا الوسط الذي يحتقر الدين والمتدينين ويعتبر من صفات القصور والنقص في المرء أن يكون متديناً، إن هذا من أعظم الإيجابيات، ومن أعظم جوانب الإنجاز التي حققها هؤلاء.