للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اهتمام الشباب بالرياضة وأثره]

ننتقل إلى اهتمام آخر أكثر انتشاراً وتأثيراً عند الشباب ألا وهو الرياضة أو الكرة، فالشباب يهتم بالكرة اهتماماً بالغاً، من خلال الممارسة، ولعب الكرة يأخذ جزءاً كبيراً جداً من وقته من خلال ما يسمى بالمصطلح المعاصر التشجيع، وفي العلم نسميه الولاء، فهو في الواقع ولاء لهذا النادي وما يتعلق به.

ولو كان الشاب اقتصر على قضية الممارسة للرياضة مع ما تأخذ من الوقت فقد يهون الأمر، فنقول: إن الرياضة تأخذ عليه ساعات، فيصبح الأمر هيناً عندما نقارنه بالصورة الأخرى وهي صورة الانتماء الرياضي، فصار هذا الشاب يشجع نادياً من النوادي، وانظر كيف يؤثر عليه هذا الأمر، فهو مثلاً يهتم بأخبار النادي، واللاعبين، وتاريخهم، وربما يقتني أيضاً صور هؤلاء اللاعبين، ويتابع مباريات الفريق أولاً بأول، ويهتم بهذا، ثم تستولي على مشاعره كثيراً.

كذلك يتأثر أيضاً في تفكيره فيصبح تفكيره مربوطاً كثيراً بهذا النادي، حتى إن أشياء ساذجة صارت تحكم عقلية هذا الشاب، فمثلاً اللون الذي يميز هذا النادي يصبح لوناً له قيمته عنده، فهو مثلاً عندما يقتني قلماً يحرص أن يكون القلم يعبر عن شعار هذا النادي، وعندما يضع تلبيسة على سيارته فأيضاً يجب أن تكون تمثل شعار هذا النادي، فصار هذا اللون يحكمه، وصار يعشق هذا اللون؛ لأنه يذكره بهذا النادي الذي أصبح ينتمي إليه.

وهذه حققت مكاسب لفئات كثيرة من الناس: أصحاب الدعاية، فيطبع شعارات ويفرد شعارات وتروج هذه الشعارات؛ نظراً لارتباطها بنادٍ معين عند هذا الشاب الذي صار هذا النادي يسيطر عليه.

وأنت حتى تدرك فعلاً كم يأخذ هذا الانتماء من الشخص، ومن قدراته، ومن طاقاته، دعني أصور لك هذا المثال: شاب يشجع نادياً من النوادي، والآن لديه مباراة لهذا النادي لها أهمية فقد تحدد موقعه أو مصيره، فهو قبل المباراة سيقرأ الصحف، ويقرأ التحليل عن المباراة والتوقعات إلى غير ذلك، فتأخذ عليه جزءاً كبيراً من وقته ومن قراءته، وما يكتفي بصحيفة واحدة، بل يمكن يقرأ جميع الصحف التي تكتب عن المباراة والتحليل لها، ثم يتناقش مع زملائه، ولك بالضرورة أن تتصور طبيعة النقاش الذي يسود أجواء الرياضيين، فهو نقاش غير مؤدب، ونقاش غير لبق، ونقاش ينم عن مستوى الثقافة التي يتمتع بها أمثال هذه الطبقة، ثم يذهب للملعب، وبالتأكيد سيذهب في وقت مبكر؛ حتى يحصل على مكان متقدم.

وانظر ما سيترك من واجبات لأهله ومصالح سيفوتها نتيجة حرصه على الحضور بل الحضور المبكر لهذه المباراة، وإذا لم يتيسر له الحضور انتقل إلى المرتبة الثانية وهي متابعة المباراة من خلال الشاشة، فسيقف أمام الشاشة أو أمام الملعب وتبدأ المباراة وخلال وقت المباراة كله سيعيش جوا مشحوناً، فقد استجمع كل مشاعره من خلال النظر، ومن خلال التفكير، كل هذه المشاعر استجمعها؛ لأجل متابعة هذه المباراة.

وهذه المشاعر لا يمكن أن يستجمعها مثلاً وهو يقرأ القرآن، ولا وهو يصلي، ولا وهو يسمع الخير، فضلاً عن أن يستجمعها وهو يسمع شرح الأستاذ، أو في أي قضية من قضاياه الجادة، فيستجمع لها مشاعره، ثم يعيش أيضاً مشاعر وعواطف متناقضة خلال هذه المباراة، فهو مثلاً عندما تكون الهجمة على فريقه يعيش شعور خوف ووجل حتى تتبدد على خير، فيرتاح ويستقر، وتعود مرة أخرى فيعود إلى الشعور المعاكس تماماً، فهنا كان عنده شعور خوف، وهنا الآن صار عنده شعور رجاء، فصار يعيش مدة ساعة ونصف بين هذه المشاعر المتناقضة.

فلمصلحة من يضيع الإنسان هذا الوقت وهذا الجهد؟ فهذه المشاعر والعواطف التي عنده: الحب والكراهية والحماس حرام تضيع هذه المشاعر في هذه القضايا، وثق ثقة تامة أنها -كما سيأتي- ستكون على حساب القضايا الأهم.

يا أخي! إن الله سبحانه وتعالى خلق لك نفساً قابلة للحماس، وخلق لك مشاعر معينة، خلقها لحكمة، فهذا إهدار لثروة هائلة قد لا نقيم لها وزناً؛ لكن لها أهمية، فنحن نفكر في ثروة المال، ونفكر في ثروات معينة، وقد أحياناً نفكر في الوقت وأنه ثروة، لكن لا يمكن أن نفكر في هذه المشاعر الذي عندنا أنها ثروة مهمة يجب أن نحافظ عليها، ويجب أن نستغلها الاستغلال الشرعي؛ لأجل المصلحة التي خلقها الله عز وجل من أجلها.

ثم ما يعقب المباراة والنتيجة التي صارت في المباراة لابد أن يصير فيها إلى حالتين: إما أن ينتصر فريقه، فيصبح يعيش حالة زهو وفرح يسيطر عليه، وتؤثر على حياته كلها في اليوم التالي، أو العكس أن يهزم فيعيش مشاعر أخرى من السخط والحزن والقلق.

ولعلكم تسمعون كثيراً مثلاً عن حالات طلاق تحصل عن حالات خصام بين الزوجين؛ نتيجة مثل هذا الجنون الكروي، بل أحياناً قد يصل الأمر ببعض الناس إلى حالة الإغماء وحالة الوفاة.