للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاعتذار بالوقوع في المعاصي]

الأسلوب العاشر: وهو من جنس ما أشرت إليه في المقدمة وهو مما يُساء فهمه، وهو الاعتذار بالوقوع في المعاصي.

البعض من الناس يعتذر بأنه يقع في معاص، إما أنه مثلاً يقع في معاص معينة، أو أن مظهره لا يؤهله، حيث إن مظهره تظهر فيه المخالفات الشرعية فهذا لا يؤهله لأن يقوم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي قضية قديمة وليست قضية جديدة، ولذلك يقول سعيد بن جبير رضي الله عنه: (لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر) فقال الإمام مالك رحمه الله تعليقاً على هذه العبارة قال: (وصدق! من ذا الذي ليس فيه شيء).

والحسن وهو معروف بأنه من أشد السلف ورعاً في قضية العمل بما يقول، كان يقول لـ مطرف بن عبد الله: (عظ أصحابك، قال: أخاف أن أقول مالا أفعل، فقال له: يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول؟ يود الشيطان أنه قد ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر).

فهذه قضية كما قلت يعتذر بها الكثير، وهو يرى فعلاً أن هذا عذر شرعي، يرى أنه يقع في معصية من المعاصي وهذا بالتالي لا يجيز له أن يتحدث أمام الناس، وأن يعظ الناس؛ لأنه عندما يعظ الناس ويذكرهم ويدعوهم كأنه يظهر أمام الناس بغير مظهره الحقيقي وكأن هذا نفاق، وكأنه داخل تحت قول الله سبحانه وتعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:٢].

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) فلا يمكن أبداً أن يوجد أحد يسلم من الذنوب حتى العلماء، وحتى الدعاة، فأي إنسان لا بد أن يقع في الذنب ولا بد أن يقع في التقصير، وهل تتخيل أن الذين يتصدرون للدعوة أو لتربية الشباب، أو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو لتعليم العلم، أو غيرها من أبواب الدعوة، هل تتصور أن هؤلاء مقتنعون بما هم عليه وراضون عن حالهم مع الله سبحانه وتعالى؟ الكثير منهم ترى ذلك في مقاله وتراه في لسانه حاله، حيث يعترف بالتقصير والخطأ لكن تقصيرك في هذا الواجب لا يعني أن تقصر في الواجب الآخر، وهي قضية كثيراً ما ترد عند الشباب ويرد عنها التساؤل، ومن قبيل المصادفة اليوم أنه وصلتني رسالة من أحد الشباب من منطقة بعيدة وقد ذكر فيها أنه يقع في معصية ثم يقول: إنني كنت أنصح الناس ولكني لم أعد أتكلم مع بعض الشباب؛ لأني أخاف من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار ومن يوم يعظ الظالم على يديه، وأحفظ قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:٤٤].

يقول: كنت أعظ الناس وأوجه الشباب لكني أخشى من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، لاحظ كيف يصنع الشيطان فعلاً فيوقعنا في مثل هذا الفهم الخاطئ، يعني يترك هذا الأمر خوفاً من الله عز وجل! يا أخي خوفك من الله وورعك يجب أن يدفعك إلى العكس، الخوف من الله والورع يجب أن يدفعك إلى الأمر والنهي، وموعظة الناس ولو كنت حتى مقصراً في هذا الأمر الذي تدعو الناس إليه، والسلف أورع منا، وأكثر منا إدراكاً لنصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ما تركوا هذه الأمور خوفاً مما نحتج به.