[اعتقاد ما يليق بالله تعالى من الأوصاف]
وأيضاً: يعرف المسلم أن الله سبحانه وتعالى حينما يصف نفسه بأنه الرزاق ذو القوة المتين، وأنه سبحانه وتعالى على العرش استوى، وأن يديه سبحانه وتعالى مبسوطتان، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ يدرك من هذه النصوص كلها معنى يليق بجلال الله سبحانه وتعالى وعظمته.
ولعلك ترى أحد كبار السن الصالحين العابدين لله عز وجل من العامة عندما يسمع هذه الآيات من كتاب الله عز وجل، أو يسمع متحدثاً يتحدث عن عظمة الله سبحانه وتعالى، وعن أسمائه وعن صفاته لا يلبث أن يلهج لسانه بالتسبيح والتمجيد والتنزيه لله سبحانه وتعالى، ولو قدر أن ترى وجهه لرأيت وقرأت فيه علامة التعظيم والخضوع لله سبحانه وتعالى، واستشعار النقص والفقر أمام ذات الله عز وجل.
إن هذه القضايا قضايا متقررة وبدهية، لكن نظراً لوجود هذا التيار الجارف من الشبه والضلال الذي حاول أن يحرف هذا المعتقد فيؤول أسماء الله عز وجل وصفاته، ويشبه الله عز وجل بخلقه، ويسلط عقله البشري على ذات الله سبحانه وتعالى، وعلى أسمائه وصفاته، فيجعل من عقله القاصر مقياساً وحكماً على أسماء الله وصفاته، حكماً على ما يجب لله سبحانه وتعالى وما لا يجب، لا شك أن هذا التيار الجارف كان يفترض من أهل الإسلام مواجهته ويفترض منهم رد الشبه، والحديث عن هذا، وهو واجب لا شك متحتم، وعامة المسلمين من حقهم أن يوضح لهم المعتقد السليم وأن تدفع عنهم هذه الشبه.
لكن تلك الفترة التي بدأ الحديث فيها عن الأسماء والصفات كانت القضية واضحة عند الناس، وكان الناس يتدبرون القرآن ويعون هذه المعاني التي أشرنا إليها، لكن طال الزمان وطال العهد بالناس، وبعدوا عن مشكاة النبوة، وبعدوا عن كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا انحرفت نظرتهم لهذا المعنى أو صار الناس حينما يسمعون الحديث عن الأسماء والصفات يقفز إلى أذهانهم مباشرة الجدل الطويل مع الأشاعرة والمعتزلة والجهمية ومع سائر الطوائف الكلامية التي انحرف فهمها لهذه العقيدة، وانحرفوا في فهمهم لأسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته.
ثم يغيب عن بالهم معنى آخر له أهميته حول هذا الجانب، ويتزامن هذا مع الفصام النكد الذي يعيشه المسلمون بين قضية التوحيد وقضية السلوك، وقضية الواقع الذي يعيشه المسلمون.
لقد صار البعض من المسلمين يتصور أن قضية التوحيد قضية جدلية فلسفية بحتة لا تعدو أن تكون مجرد قضايا معرفية بحتة يعتقدها ويصارع حولها، ثم تقف وتنتهي عند هذا الحد.
وأضرب لكم أمثلة سريعة حول هذا، ثم أعود إلى موضوعنا الأساسي: من أسس عقيدة التوحيد أن لا إله إلا الله، وهذا يعني: أنه لا أحد يستحق العبادة ولا الخضوع غير الله سبحانه وتعالى، والتشريع والتعظيم إنما هو حق لله سبحانه وتعالى.
إن قضية لا إله إلا الله، وقضية ألوهية الله عز وجل وعبودية المخلوق حينما تضعها على بساط معرفي جدلي بحت تراها قضية واضحة مقررة عند المسلمين، لكنك ترى البعض قد يخضع لغير الله سبحانه وتعالى ويتوجه بقلبه لغير الله سبحانه وتعالى.
إن الذي يخاف من المخلوق ويحسب له ألف حساب هو نفسه الذي يقر بعقيدة التوحيد، ويقر بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي ينبغي أن يخاف وينبغي أن يخشى وينبغي أن يرجى عز وجل.
خذ على سبيل المثال عقيدة الولاء والبراء وهي من أسس اعتقاد المسلم، بل الخلل بها باب من أبواب الكفر، فمن نواقض الإسلام موالاة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين.
كم يقع الموحدون والمسلمون في هذا، بل يرون الفصل التام بين هذه القضية وقضية التوحيد، فيرون أن قضية العقيدة التوحيد إنما هي قضايا معرفية بحتة بعيدة عن السلوك والواقع الذي يعيشونه، ولعل ما يأتي من الحديث بمشيئة الله حول الأسماء والصفات سيجيب على جزء من هذا التساؤل الذي طرحناه: ما مدى العلاقة بين واقع المسلمين سلوكاً وحياة، وبين التوحيد والمعتقد؟ وقضية التوحيد ليست قضية جدلية فلسفية، وليست قضايا معرفية بحتة، إنما هي قضايا ما لم ينطبع أثرها على السلوك فإنها لا فائدة منها ولا أثر، وما قيمة أن يقتصر المرء على قضايا معرفية مجردة، بل هو منشأ الضلال الذي نشأ عند أهل الفلسفة والجدل؛ أن حولوا القضية إلى قضية جدل وفلسفة ومعرفة فقط بعيدة عن واقع العمل والسلوك.