للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غيرنا والزواج]

رابعاً: غيرنا والزواج.

وهذا الاصطلاح من كتاب الله عز وجل، يقول الله سبحانه وتعالى في الوصية: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:١٠٦] ووصف الكفار بأنهم من غيرنا.

ونورد بعض النقول عن سيرهم وعاداتهم وطبائعهم في حرصهم أو دعوتهم إلى الزواج، ولم يكن الزواج مرغّباً لأن أولئك دعوا إليه، وليست القضية للاستشهاد بهم، لكن إذا كان أولئك يدركون شأنه وقيمته وهم لا يجدون مانعاً ولا حاجزاً من ممارسة الحرام والرذيلة، فغيرهم من باب أولى وآكد.

أولاً: الأمم القديمة كان العزوبة عيباً عندهم، بل في كثير من معتقدات الأمم القديمة وهي معتقدات وثنية وجاهلية، يرون أن من مات وهو لم يتزوج أنه غير داخل تحت رحمة الإله، وليس هذا هو الذي نستشهد به، لكن هذا كان نتيجة شعور أولئك بأن الزواج ضرورة، وكانوا يعيبون على الأعزب، ويصفونه بأوصاف يستحيا منها، حتى أنه كان يستحي أن يقابل الناس على اختلاف في عوائد الأقوام والطوائف والناس مما يضيق الوقت عن ذكره.

وأيضاً كانت أوروبا في العصور الوسطى تُعنى بالزواج والحرص عليه والتشجيع عليه، فقد أصدر لويس الرابع عشر في عام (١٦٦١م) مرسوماً يقضي بإعفاء الذين تزوجوا وكان سنهم أقل من عشرين سنة حتى الخامسة والعشرين من الضرائب، وفي عام (١٧٩٨م) أيضاً سن قانون لحماية قيمة الإيجارات وفرض الجباية، فضاعف الضرائب على العزاب الذين سنهم عشرون عاماً فما فوق، والإجراءات التي يتخذها أولئك كثيرة، وأشرنا أيضاً إلى ما اتخذته ألمانيا بعد الحرب العالمية وغيرها، ويتنادى بعض عقلائهم بالزواج المبكّر، وفي عبارة جميلة يقول أحد عقلائهم إن كان فيهم من يعقل: ولسنا نرى مقدار الشر الاجتماعي الذي يمكن أن نجعل تأخير الزواج مسئولاً عنه، ولا ريب أن بعض هذا الشر يرجع إلى ما فينا من رغبة في التعدد لم تهدأ.

يقول: ولكن معظم هذا الشر يرجع في أكبر الظن في عصرنا الحاضر إلى التأجيل غير الطبيعي للحياة الزوجية، وما يحدث من إباحة بعد الزواج فهو في الغالب ثمرة التعود قبله، وقد نحاول فهم العلل الحيوية والاجتماعية في هذه الصناعة المزدهرة، وقد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر لا مفر منه في عالم خلقه الإنسان وهذا هو الرأي لمعظم المفكّرين في الوقت الحاضر، غير أنه من المخزي أن نرضى في سرور عن صورة نصف مليون فتاة أمريكية يقدمن أنفسهن ضحايا على مذبح الإباحية، ولا يقل الجانب الآخر من الصورة كآبة بأن كل رجل حين يؤجل الزواج يصاحب فتيات الشوارع ممن يتسكعن في ابتذال ظاهر.

ويقول ول ديورانت الذي أوردنا كلامه السابق: كان البشر في الماضي يتزوجون باكراً، وكان ذلك حلاً صحيحاً للمشكلة الجنسية، أما اليوم فقد أخذ سن الزوج يتأخر، كما أن هناك أشخاصاً لا يتوانون عن تبديل خواتم الخطبة مراراً عديدة، فالحكومات التي ستنجح في نص القوانين التي تسهل الزواج الباكر ستكون جديرة بالتقدير؛ لأنها تكشف بذلك أعظم حل لمشكلة الجنس في عصرنا الحاضر.

وكما قلت حينما نورد أقوال هؤلاء لا يعني أننا نحتج بهم، وأيضاً قد نتحفظ على كلمات كثيرة أو عبارات يوردونها، لكن المقصود أنه إذا كان أولئك وهم أصحاب الإباحية والفجور، وهم الذين لا يرون أي مانع وأي وازع من الممارسة القذرة المحرمة يدعون إلى الزواج المبكّر، فأصحاب الفطرة السليمة الذين يرون أن هذا سور لا يجوز أن يتجاوزوه، أولى وآكد أن يعنوا، وأن تصدر منهم مثل هذه الأقوال.