للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعوة إلى الله دليل شكر نعمة الهداية]

ثمرة خامسة أيضاً: أن ذلك من شكر النعمة: فلقد منَّ الله سبحانه وتعالى عليك بالهداية، والتوفيق إلى سلوك طريق الخير، ولا شك أن الفضل أولاً وأخيراً له سبحانه وتعالى، اسمع إلى أهل الجنة ماذا يقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:٤٣].

فهؤلاء يحمدون الله سبحانه وتعالى على أن منَّ الله عليهم بالهداية، التي لم يكونوا -ولن يكونوا أبداً- ليحصلوا عليها دون توفيق الله عز وجل (يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم).

فأنت سلكت طريق الهداية الآن، منَّ الله سبحانه وتعالى عليك بطريق الهداية، وأنعم الله عليك بهذه النعمة، ولا شك أن هذه النعمة شأنها شأن سائر النعم الأخرى لها حق عليك، ومن حقها أن تشكرها، وأعظم شكر لهذه النعمة أن تنقل هذه النعمة إلى غيرك الذي قد حرمها، وأن تجتهد في دعوة هؤلاء إلى سلوك هذا الطريق الذي منَّ الله عليك بسلوكه، ولو شاء ربك لكنت مثل هؤلاء، والقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، وقلب ابن آدم أشد تقلباً من القدر إذا استجمعت غليانا كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.

فهذا الأمر فيه شكر للنعمة، وهو أحرى بأن يكون سبباً لتوفيق الله سبحانه وتعالى لك في الثبات على هذا الطريق طريق الهداية.

ابن القيم رحمه الله له أبيات جميلة في نونيته في ذلك، يقول: واجعل لقلبك مقلتين كلاهما بالحق في ذا الخلق ناظرتان فانظر بعين الحكم وارحمهم بها إذ لا ترد مشيئة الديان وانظر بعين الأمر واحملهم على أحكامه فهما إذاً نظران واجعل لوجهك مقلتين كلاهما من خشية الرحمن باكيتان لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن