للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[للداعية مثل أجر الداعية المهتدي على يديه]

الأمر السادس: وماذا لو كان داعية؟ هدى الله على يديك شاباً معرضاً غافلاً، كان همه الأمور الساقطة، كان همه المعاصي، ثم بعد أن من الله عليه بالهداية أصبح شخصاً آخر، قد يكون خطيباً مفوهاً، يقول كلمة الحق ويستمع الناس إليه، قد يكون واعظاً يبكي القلوب، قد يكون داعية ينفع الله به الأمة، بل -ولا تستبعد هذا يا أخي- قد يكون مجدداً، أليس النبي صلى الله عليه وسلم أخبر (أن الله عز وجل يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينه)؟ فلماذا تستبعد ذلك يا أخي؟ قد تقول: أنا غير مؤهل للتجديد، لكن قد يكون هذا الذي يهديه الله على يديك مجدداً لهذه الأمة.

ونعود مرة أخرى إلى ابن القيم رحمه الله ليسمعنا أبياتاً جميلة، يثني فيها على شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لما منَّ الله عليه بالهداية على يديه، فقال بعد أن تحدث عن ضلال أولئك الضالين، وما في كتبهم: يا قوم والله العظيم نصيحة من مشفق وأخ لكم معوان جربت هذا كله ووقعت في تلك الشباك وكنت ذا طيران حتى أتاح لي الإله بفضله من ليس تجزيه يدي ولساني حبر أتى من أرض حران فيا أهلاً بمن قد جاء من حران أخذت يداه يدي وسار فلم يرم حتى أراني مطلع الإيمان ورأيت أعلام المدينة حولها نزل الهدى وعساكر القرآن ووردت كأس الماء أبيض صافياً حصباؤه كلآلئ التيجان ورأيت حوض الكوثر الصافي الذي ما زال يشخب فيه ميزابان ميزاب سنته وقول إلهه وهما مدى الأيام لا ينيان ثم قال: فالله يجزيه الذي هو أهله من جنة المأوى مع الرضوان وقال أيضاً في موضع آخر لما أثنى عليه: فاقرأ تصانيف الإمام حقيقة شيخ الوجود العالم الرباني أعني أبا العباس أحمد ذلك البحر المحيط بسائر الخلجان ثم قال بعد ذلك: هذا ولو حدثت نفسي أنه قبلي يموت لكان غير هذا الشان مع ما كان للإمام ابن تيمية رحمه الله من دور بارز في تجديد العقيدة، مع ما له من أيدٍ بيضاء سطرها ابن القيم رحمه الله في ثنائه عليه، لكن انظر إلى ابن القيم رحمه الله الذي له مواقف وصولات مع المبتدعة أيضاً، وله مواقف أيضاً في نصرة دين الله سبحانه وتعالى، وله مصنفات ما زال الجميع يعض عليها بالنواجذ، وها نحن في درسنا هذا نقرأ ونتفيأ كتاباً من كتبه التي كتبها في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ابن القيم رحمه الله في جهوده كلها ما هو إلا ثمرة من ثمرات توفيق الله سبحانه وتعالى لشيخ الإسلام ابن تيمية.

فتخيل يا أخي -وهذا ليس بعيداً أبداً- أن الله عز وجل هدى على يديك شخصاً كان له دور في خدمة دين الله سبحانه وتعالى، في خدمة الإسلام، قد يكون من الدعاة، بل قد يكون من المجددين ممن ينفع الله عز وجل بهم.

قد تكون أنت طاقاتك محدودة، قدراتك العقلية محدودة، قدراتك العلمية محدودة، بل همتك محدودة، لكن يهدي الله عز وجل على يديك رجلاً صاحب همة، صاحب طاقة، رجلاً أعطاه الله عقلاً وقدرة، فيسخر طاقته لدين الله سبحانه وتعالى، لتعليم العلم، لطلب العلم، للدعوة إلى الله عز وجل.

فكيف يكون سرورك وفرحك وأنت ترى في الحياة الدنيا عاجل ثمرة دعوتك؟! وأما ما عند الله سبحانه وتعالى فهو خير وأبقى.

أقول: هذه بعض الثمرات التي يجنيها من رزقه الله هذه النعمة، ومن منَّ الله سبحانه وتعالى عليه فأنقذ عز وجل على يديه هؤلاء من الضلالة.