للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الوفاء]

المجال السادس: الوفاء، الوفاء من شيم الرجال التي يمدحون بها، كيف لا وقد كان أهل الشرك يفتخرون به قبل أن يستضيئوا بنور الإسلام، يقول أحدهم: أسمي ويحك هل سمعت بغدرة رفع اللواء لنا بها في مجمع إنا نعف فلا نريب حليفنا ونكف شح نفوسنا في المصنع ويعدون الغدر مسبة ومذمة، قال امرؤ القيس: إذا قلت هذا صاحب قد رضيته وقرت به العينان بدلت آخرا كذلك جدي ما أصاحب صاحباً من الناس إلا خانني وتغيرا وخير نموذج للوفاء لدى أهل الجاهلية ما فعله عبد الله بن جدعان في حرب الفجار التي دارت بين كنانة وهوازن، إذ جاء حرب بن أمية إليه وقال له: احتبس قبلك سلاح هوازن، فقال له عبد الله: أبالغدر تأمرني يا حرب؟! والله لو أعلم أنه لا يبقى منها إلا سيف إلا ضربت به ولا رمح إلا طعنت به ما أمسكت منها شيئاً.

وكان من وفائه أن العرب إذا قدمت عكاظ دفعت أسلحتها إلى عبد الله بن جدعان حتى يفرغوا من أسواقهم وحجهم ثم يردها عليهم إذا ظعنوا من مكة إلى مضارب قومهم.

وحين جاء النبي صلى الله عليه وسلم أنسى بخلقه ووفائه مكارم أهل الجاهلية، ومن أمثلة وفائه عليه الصلاة والسلام وهي كثيرة: موقفه يوم الفتح من عثمان بن طلحة حاجب الكعبة في الجاهلية عندما طلب منه علي رضي الله عنه ومفتاح الكعبة في يده أن يجمع لبني هاشم الحجابة مع السقاية، فقال صلى الله عليه وسلم: (أين عثمان؟ فدعي له فقال: هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء).

وحين تخلت الأمة عن خلق الرجال وساد فيها التهارج هوت وانهارت قواها حتى رثاها أعداؤها، يقول أحد كتاب النصارى: العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاءوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات.

وقال أحد شعراء الأندلس راثياً ما آلت إليه: حثوا رواحلكم يا أهل أندلس فما المقام بها إلا من الغلط السلك ينثر من أطرافه وأرى سلك الجزيرة منثوراً من الوسط من جاور الشر لا يأمن عواقبه كيف الحياة مع الحيات في سفط